نشرت بعض الوكالات الإخبارية الإلكترونية، يوم أمس، تقريرًا عن صحيفة الغارديان البريطانية بعنوان: "إيران تهدد ما تبقى للسيستاني من نفوذ في العراق"، وذهبت الصحيفة في تقريرها إلى أن هناك خلافًا حادًا بين الخامنئي في إيران والسيستاني في العراق، معزية السبب إلى التدخل الإيراني الواضح في الشأن العراقي وبكل الأصعدة ولا سيما السياسية والأمنية ! وهنا نعلق على هذا الخبر بعبارة بسيطة وهي: إن صحيفة الغارديان تصدر في بريطانيا العاصمة المالية للسيستاني، حيث توجد مؤسسة الخوئي هناك، والتي يديرها السيستاني من العراق، ويرسل لها أموال الخمس والزكاة وأموال العتبات المقدسة، وهذا التقرير الذي نشرته والذي سبقه تقرير مشابه له نشرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية قبل عدة شهور، دليل على أن الاستخبارات البريطانية تحاول جاهدة أن تحدث شرخًا وفجوةً بين السيستاني وخامنئي، من أجل ضمان ولائه للجهة الغربية وبإخلاص، دون أي ولاء لأي دولة أخرى، خاصة إيران التي ينتمي إليها السيستاني، فإن فقدت بريطانيا هذه الشخصية فإنها ستفقد أكبر ممول لها في العالم أجمع، وكذلك سيخسر الغرب -وخصوصًا حلفاء بريطانيا – شخصية استطاعت أن تخدمهم في فترة من الفترات ولا يستطيعون أن يأتوا بشخصية تقوم بالدور الذي قام به السيستاني، وهذا دليل واضح على أن الاستخبارات البريطانية خصوصًا والغربية عمومًا في حالة تسابق على السيستاني مع إيران لما له من دور كبير وفعال في خدمة الأجندات الخارجية. لكن نسيت هذه الصحيفة – الغارديان – ومن يقف خلفها من استخبارات عالمية، أن السيستاني ابن إيران، ومستبعد جدًا أن يعق هذا الابن أمه، فلو كان السيستاني بالفعل على خلاف مع خامنئي فلماذا لا يعلن عن نفسه وليًا فقيهًا في العراق ؟! وجواب ذلك واضح وبديهي: الكل يعرف هوية السيستاني، فهو شخصية إيرانية دخلت للعراق في ثمانينات القرن الماضي، وهو إلى الآن لا يملك الجنسية العراقية والتي رفضها بعد أن أراد ساسة العراق بعد عام 2003 أن يمنحوها له، وفي إيران وخارجها كل رجال الدين من مرجعيات وقيادات إيرانية تدين بالولاء والسمع والطاعة لمن يحمل عنوان "الولي الفقيه" هناك، والذي يحمله الآن خامنئي، وبما أن السيستاني رجل دين إيراني فهو يدين بالطاعة والولاء للولي الفقيه في إيران، فلا يمكنه أن يعطي لنفسه عنوانًا يتعارض مع عنوان خامنئي، فإعلان السيستاني نفسه وليًا فقيهًا، هذا يعني أنه لا يقر بولاية الفقيه الإيرانية التي يدين بالولاء لها، وهذا يضر بإيران وتحركاتها في المنطقة العربية، وبالعراق على وجه الخصوص، لذلك نجده نأى بنفسه عن إعلان ولاية الفقيه في العراق، على الرغم من قيامه بدور الولي الفقيه، حيث تدخل ويتدخل بالشأن السياسي وتاريخ مرجعيته حافل بذلك، من صياغة دستور، وانتخابات، وتشكيل حكومات، وتظاهرات، وغيرها من الأمور، حتى إن ساسة العالم عندما يأتون إلى العراق يحطون رحلهم مباشرة عند السيستاني، وقبل أي شخصية سياسية. فهو أي السيستاني، يقوم الآن بدور ولاية الفقيه دون إعلان عنها، من أجل خدمة المشروع الإمبراطوري الفارسي في المنطقة، حيث نجد أن كل ما صدر ويصدر من السيستاني يتماشى وفق رغبات إيران، ووليها الفقيه خامنئي، فالمجرم المالكي منذ اللحظة الأولى لتسنمه الحكم في العراق، كان يحظى بدعم السيستاني الذي أوجب انتخابه وانتخاب قائمته "دولة القانون"، كما أنه حرم على الشعب العراقي الخروج بتظاهرات ضد فساد حكومة المالكي في عام 2011 م، حتى إنه لم يعطِ رأيه في تغيير المالكي بالعبادي إلا بعدما تم تعيين الأخير في منصب رئيس الوزراء، وكل هذا وفق الإرادة الإيرانية التي لم يخرج عنها السيستاني، وكذلك فتوى الجهاد التي أطلقها، والتي أصبحت غطاءً لمليشيا الحشد الإيراني، حيث تشكلت تلك المليشيات بفتوى من السيستاني الإيراني، وأخذت ومنذ اللحظة الأولى لتشكيلها بالعمل تحت إمرة قادة وأمراء وزعماء إيرانيين كقاسم سليماني، وأصبحت سلاح إيران في العراق، وسوريا، والذي تهدد به دول المنطقة بين الحين والآخر، وكل ذلك بإمضاء وقبول من السيستاني الذي لم يصدر أي شيء منه يدل على رفضه لعمل تلك المليشيات أو تبعيتها، كما لم يصدر منه أي شيء يدل على وجود خلاف بينه وبين خامنئي، ومن الأدلة البسيطة على تبعية السيستاني إلى إيران، وعدم الانفكاك عنها، هو امتلاء شوارع النجف بصور الخميني وخامنئي وصوره معهما، فلو كان في نزاع مع الخامنئي كما تدعي الصحيفة لأمر أتباعه في النجف بإزالة هذه الصور، ويمكنه ذلك بسهولة لو أراد ذلك، على أقل تقدير كتلميح على أنه على خلاف مع خامنئي. فالسيستاني لم ولن يعارض أي مشروع إيراني في العراق منذ أن وطأت قدمه العراق، وإلى يومنا هذا، وكما يقول المرجع العراقي الصرخي في لقائه مع قناة التغيير: "من خلال تجربة الثلاثةَ عشر عامًا تيقَّنتم أنّ إيران تلعبُ بالمرجعيات كما تلعبُ بآلات ورُقَع الشطرنج، والخارج عن فلَكِها ومشروعها فليضع في باله أن يكون حاله كحالي، يعيش التطريد والتشريد، فليبحث عن قلوب الشرفاء كي يسكن فيها، ويستمتع بصدقهم، وإخلاصهم، وحبّهم، وإيمانهم، وأخلاقِهم…..(….)….، فراجعوا كل ما صدر من فتاوى ومواقف المرجعية التي تُرجِمت على أرض الواقع، فستتيقنون أنه لم يصدر شيء وتُرجِم على الأرض إلّا وهو يصب في مصلحة إيران ومنافعها ومشروعها…..(..)… وأنّ مرجعية السيستاني هي الأسوأ والأسوأ على الشيعة على طول التاريخ الحاضر، والماضي، والمستقبل، وربما لا يظهر أسوأ منها إلى يوم الدين، وسأبين موقفي من السيستاني من خلال إصدار بحث تحت عنوان (السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد)، وستقرؤون وتسمعون العجبَ العُجاب تحقيقًا وتدقيقًا وبالدليل والبرهان". فهل يعقل أن يأتي السيستاني في آخر المطاف ويعارض إيران؟ وكيف يقدم على مثل هكذا خطوة ؟! لأن ذلك يطيح به، وبعرشه، ومؤسسته التي بناها على رؤوس العراقيين، وذلك لسببين مهمين، أحدهما، سيتضح من خلال معارضته لإيران أنه كان مسيرًا كل تلك الفترة، ولم يكن يتخذ القرارات من تلقاء نفسه، وإنما تملى عليه، وهذا يتعارض مع الهالة الإعلامية التي تدور حوله، ويكون بذلك قد نسب كل الذي حققه من إنجازات "إعلامية" لإيران. والسبب الآخر هو التسقيط الإعلامي الذي سيلاقيه من إيران التي أصبحت تستحوذ على كل الوسائل الإعلامية الشيعية، كما أنه يعي جيدًا إن إيران ستقوم بتصفيته فورًا لو تعارض معها أو خالفها الرأي، وبشكل مختصر: إن هناك من يسعى إلى التأسيس لخلاف بين السيستاني وخامنئي، ولو إعلاميًا، من أجل خلق فجوة بين الأقطاب الإيرانية "فرق تسد"، أي أن الإعلام الغربي يحاول أن يزرع فتنة بين أقطاب المرجعيات الإيرانية، الخامنئي والسيستاني، ومحاولة جر تلك الأقطاب إلى خلاف فيما بينها يتناسب مع تحركات الغرب المستقبلية في العراق، وبشكل يؤدي إلى قلب الرأي العام العراقي ضد إيران، والذي الآن يعيش نشوة الوهم بإيران، فالسباق الآن بين الغرب وإيران هو على كسب عمالة السيستاني، لكونه يحقق أكبر منفعة ومصلحة ويحقق طموحها ويُنجح أي مشروع لهذه الجهة أو تلك. أحمد الملا