تأتي قمة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في مدينة إسطنبول التركية بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كامتداد لمسيرة استمرت 47 عامًا من العمل الإسلامي والدعم منقطع النظير من المملكة لهذا الدعم الذي توج بتوجه خادم الحرمين الشريفين إلى تركيا لحضور قمة التعاون الإسلامي هناك. خادم الحرمين.. التحالف الإسلامي "أول الغيث" لا يحتاج دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للعمل الإسلامي إلى دليل وتكفي الإشارة إلى "التحالف الإسلامي" العسكري الذي نشأ برعاية خادم الحرمين الشريفين لفهم آلية تفكير خادم الحرمين الذي صعد بهذا التحالف بالعمل الإسلامي المشترك من المؤتمرات والمنظمات إلى العمل على الأرض ولأكثر جهات الدول الإسلامية حساسية ودقة وهي الجيوش والقوات العسكرية مرسلاً رسالة إلى العالم وإلى الأعداء وإلى الإرهاب بأنه أصح للدول الإسلامية درع يحميها وسيف يضرب من يفكر بالتطاول عليها، وخاصة في ظل ما يشهده العالم الآن من حروب واضطرابات تستلزم الصعود بالتعاون الإسلامي إلى العمل العسكري. وضم التحالف الإسلامي الذي أعلنته المملكة 34 دولة "لمحاربة الإرهاب" هي السعودية، مصر، الإمارات، الأردن، البحرين، تونس، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، السودان، جيبوتي، الصومال، موريتانيا، المغرب، واليمن، بنين، تشاد، توغو، السنغال، سيراليون، الغابون، غينيا، ساحل العاج، مالي، النيجر ونيجيريا، تركيا، باكستان، بنغلاديش، المالديف، وماليزيا. وهو تحالف غير مسبوق وتشكيله إشارة واضحة وقوية إلى التزام الدول الإسلامية ضد الإرهاب والتطرف. ولم تتوقف جهود خادم الحرمين حفظه الله على إعلان التحالف الإسلامي بل توج هذا التحالف بمناورات رعد الشمال التي ضمت 20 دولة لتكون أكبر مناورات من نوعها سواء من حيث عدد القوات أول الدول المشاركة أو الأسلحة المستخدمة ولترسل رسالة شديدة القوة عن التزام المملكة بالعمل الإسلامي المشترك في جميع المجالات، وهو التزام سار فيه خادم الحرمين على خطى من سبقوه من قادة المملكة. الفيصل: لا يعادي التضامن الإسلامي إلا الاستعماريون والصهاينة ولعل العودة إلى التاريخ تبرز بوضوح دور المملكة الريادي في دعم العمل الإسلامي ولعل أوضح صورة على ذلك هي جهود الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله في دعم العمل الإسلامي عموما ومنظمة التعاون الإسلامي خصوصا ولن ينسى التاريخ كلماته رحمه الله في اجتماع الدورة الثاني لرابطة العالم الاسلامي عام 1965م في مكةالمكرمة حيث قال: "إننا نؤيد الدعوة إلى مؤتمر قمة إسلامي ليكون في مقدور أعلى قمة إسلامية أن تبحث في قضايا المسلمين وتقرر أمورهم". وهو تصريح علني سبقته عشرات المواقف حيث دعا رحمه الله دائمًا إلى التعاون الإسلامي، وكان الملك فيصل يعرض دعوته في كل مناسبة ولا سيما في موسم الحج، ووجدت ترحيبًا كبيرًا لكنها ذات الوقت لاقت معارضة ممن وصفهم رحمه الله بأنهم "الاستعماريون واليهود والصهيونيون والشيوعيون وأذنابهم من المخدوعين والمأجورين في العالم الإسلامي". ولقد توجت هذه الجهود بعقد مؤتمر قمة في الرباط في 12 سبتمبر 1969م، وحضرته حوالي 23 دولة، ثم اجتمعت لجان المتابعة، ثم اجتمع وزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة، حيث وافقوا على إنشاء أمانة عامة للدول الإسلامية لتنسيق الأمور بين الدول الإسلامية، ووضع ميثاق للمؤتمر الإسلامي (أصبح اسمه لاحقا منظمة المؤتمر الإسلامي) الذي صدق عليه وزراء الخارجية في في جدة بتاريخ 9 يناير 1973م. الملك خالد والتبرع بالملايين وفي عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله تصاعدت الجهود لدعم العمل الإسلامي ونشأت من خلال مؤتمرات المنظمة العديد من المؤسسات والمنظمات والمراكز. فتم تأسيس محكمة العدل الإسلامية الدولية بقرار صادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكةالمكرمة عام 1401ه، وتعتبر الجهاز الرابع ضمن الهيئات الأساسية للمنظمة، والجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتقوم على أساس الشريعة الإسلامية، وتعمل بصفة مستقلة وفقا لأحكام ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، كما تم تأسيس وقفية صندوق التضامن برأسمال قدره مائة مليون دولار وذلك لرفع المستوى الفكري والأخلاقي للمسلمين في العالم، ودعم تضامن المسلمين وجهادهم في جميع المجالات، والسعي للتخفيف من الأزمات والكوارث والظروف الاجتماعية الصعبة التي تتعرض لها بعض البلدان والمجتمعات الإسلامية، وتقديم المعونات المادية للأقليات والجاليات الإسلامية بغية رفع مستواها الديني والثقافي والاجتماعي والمساهمة في بناء المساجد والمستشفيات التي قد تحتاج إليها الأقليات، وبلغ دعم المملكة للصندوق ثلاثمائة وثمانية وعشرين مليون ريال، منها خمسة وسبعون مليون ريال تبرع لوقفيته.. كما تبرعت المملكة في عهد الملك خالد لصندوق القدس ووقفيته بمبلغ مائة وثمانية وثلاثين مليون وسبعمائة وخمسين ألف ريال، كما أعلنت المملكة أيضا عن تبرعها لوقفية هذا الصندوق بحوالي عشرين مليون ريال. الملك فهد: الإسلام عزنا وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز توسع الدعم لمنظمة المؤتمر (التعاون) في ذلك قال جلالة الملك فهد إن "المملكة العربية السعودية هي واحدة من دول أمة الإسلام، هي منهم ولهم، نشأت أساساً لحمل لواء الدعوة إلى الله، ثم شرفها الله لخدمة بيته وحرم نبيه، فزاد بذلك حجم مسئوليتها، وتميزت سياستها، وتزايدت واجباتها، وهي إذ تنفذ تلك الواجبات على الصعيد الدولي إنما تتمثل ما أمر به الله من الدعوة إلى سبيله، بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتحسس ما كان يفعله رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، عندما يواجه الشدائد وعظائم الأمور، يستخدم العقل استخدامه للقوة، فالإسلام دين الرحمة والعقل والقوة، يأبى التخريب، ويحارب الغوغائية، محاربته للذل والضعف والاسترخاء هذه منطلقات سياستنا في الداخل والخارج، ولذا فإن على المؤمنين بالله من قادة المسلمين وعلمائهم مسئولية كبرى في مؤازرتنا والسير معنا في طريق الدعوة إلى الله، وتطبيق أحكامه في شتى فروع الحياة، ونحن نمد لهم أيدينا بإخلاص لا تعكره ريبة، وبعزم لا يشوبه وهن ولا تردد، وعندما تصدق النية، وتصح العزيمة، ويتوحد الصف، فسوف تكون أمة الإسلام أقوى أمم الأرض بإيمانها أولاً ثم بما حباها الله من ثروات هائلة، ومراكز جغرافية حساسة، تدعم ذلك كله قوة عسكرية نرهب بها الأعداء ونحمي بها الأصدقاء، فلو تحقق هذا الهدف الذي لانزال نسعى إليه، لما حاكت الدول الكبرى مؤامراتها ضدنا لتفتيتنا وتقطيع أوصالنا، وغزو أراضينا، ولما بقي الشعب الفلسطيني عشرات السنين دون كيان يحميه أو وطن يعيش فيه ولبقيت أفغانستان مستقلة لا تدنسها أقدام الغزاة، ولعادت أراضينا المحتلة وتنفست أمتنا نسيم الحرية وارتاحت من بطش الطغاة وأنتم تعلمون، أيها الأخوة، كيف انطلقت من هذه الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية دعوة التضامن الإسلامي، فثار صداها الشرق والغرب، حاولوا وأد الفكرة في مهدها ولكن عزيمة المخلصين من قادة المسلمين مكنتنا فأنشأنا منظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤسسات والهيئات التي تنبثق منها أو تعمل لتحقيق أهدافها، وهذه هي الدائرة التي نمارس الآن نشاطنا الإسلامي داخلها، وهي لا تقل أهمية أو قوة عن دائرة الأمة العربية، فالإسلام عزنا، والمسلمون سندنا وعمقنا الاستراتيجي". ولعل هذه الكلمات تكفي وحدها لتوضيح موقف الملك فهد من العمل الإسلامي حيث يقصر اللسان عن ذكر منجزاته رحمه الله. الملك عبد الله.. إعادة إحياء العمل الإسلامي شكلت القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة المعنقدة في مكةالمكرمة عام 2005 وبعد 3 أشهر من تولي الملك عبدالله بن عبد العزيز الحكم والتأمت بدعوة منه منعطفا حاسما في مسيرة منظمة التعاون الإسلامي، للنهوض بالعمل الإسلامي إلى آفاق جيدة تتناسب مع التحديات القائمة. ولعل ذلك يتضح بجلاء في برنامج العمل العشري الذي كان يهدف لتجهيز الأمة الإسلامية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين الذي اعتمدته القمة فأعاد الدماء إلى شرايينها من جديد، وتم تعديل ميثاق المنظمة ليواكب العصر، وتوسيع مجالات التعاون الإسلامي لتشمل الاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والاجتماع. وأعيد ترتيب أهداف المنظمة لتشمل مواجهة الإرهاب والجريمة، كما تم تغيير شعار المنظمة وتغيير اسمها من منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة التعاون الإسلامي لتخرج المنظمة ببنيان جديد وشكل جديد واسم جديد يوضح اهتمامه رحمه الله بالعمل الإسلامي وحرصه على الصعود بأدائه إلى أعلى المستويات. ثم رعى رحمه الله قمة التعاون الإسلامي في مكةالمكرمة عام 2012 والتي صدر عنها ميثاق مكة الذي شدد على درء الفتن وإصلاح الأمة الإسلامية وتجنب الفتن والطائفية لخدمة السياسة بل استخدام السياسة لخدمة الدين، مشددا على أن هذه الأمة "أمة وسط".