بكل الحب والترحاب استقبل العالم الإسلامي دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد قمة إسلامية استثنائية في مكةالمكرمة في 26 - 27 من شهر رمضان الجاري، فالجميع كان في انتظار هذه المبادرة الكريمة من دولة بحجم المملكة وما لها من دور قيادي ومكانة كبيرة في العالمين العربي والإسلامي بل وفي العالم أجمع، خاصة في ظل مشاعر الغضب التي تموج في كل الدول الإسلامية إزاء ما يحدث للأقليات المسلمة وللمسلمين في أنحاء عديدة من العالم على رأسها ما يتعرض له مسلمو بورما، بل وفي قلب العروبة حيث مذابح النظام السوري المجرم ضد شعبه، بالإضافة لما يتعرض له الفلسطينيون ومقدساتهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. وجاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين للدعوة لعقد القمة لتؤكد على عظم مبادراته وحرصه على التضامن الإسلامي، كما تؤكد أيضاً على أن الإسلام كان ولا يزال أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية السعودية. فقد سبق وأن دعت المملكة لعدة قمم استثنائية إسلامية عقدت في مكةالمكرمة، بل إن أول قمة إسلامية عقدت في التاريخ الإسلامي كانت بدعوة من جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - عام 1926م. ويعتبر مؤتمر القمة الاستثنائي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين هو ثاني مؤتمر قمة إسلامي استثنائي يعقد في مكةالمكرمة خلال السنوات السبع الأخيرة، وتشرف منظمة المؤتمر الإسلامي على تنظيمه. فقد سبق أن عقد مؤتمر القمة الإسلامي الطارئ عام 1426ه. وقام المسئولون في المملكة، بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، بتنظيمه، وإخراجه بصورة مكنت ذلك المؤتمر من إجراء حوارات حيوية حاسمة، وإصدار قرارات وتعهدات تاريخية كبرى، كان ومازال لها التأثير الكبير في عالمنا الإسلامي، في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. وحملت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي وجهها للمجتمعين في قمة مكة الماضية دعوة لتوحيد الأمة الإسلامية، والقضاء على الظلم والقهر وإحداث تنمية شاملة تهدف إلى القضاء على الفقر، وانتشار الوسطية التي تجسد سماحة الإسلام، وتقنية مسلمة متقدمة، وبناء شباب مسلم يعمل لدنياه كما يعمل لأخراه دون إفراط أو تفريط. ولفت خادم الحرمين في كلمته إلى أن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء - كما يزعم المارقون بضلالهم - فالغلو والتطرف والتكفير لا يمكن له أن ينبت في أرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية. المملكة وملفات القمة قمة مكة التي يترقبها العالم الإسلامي بشغف واهتمام ستكون فرصة تاريخية لمناقشة أوضاع الأمة الإسلامية, وسبل تعزيز التضامن الإسلامي ولم الشمل, ومواجهة التحديات, وإيجاد الحلول العملية لها، وكذلك تحقيق التفاهم والتوافق بين الدول الإسلامية. وستركز القمة على 3 ملفات رئيسية تقع في قلب اهتمامات كل مسلم حالياً، وهى: «الأزمة السورية, والقضية الفلسطينيةوالقدس, وأوضاع المسلمين في ميانمار (بورما)»، وهى قضايا كان للمملكة دور بارز فيها حظي بإشادة على المستويين الإقليمي والدولي. فلا يستطيع أحد أن ينكر الدور السعودي في الملف السوري سواء على المستوى السياسي من خلال مبادرات عديدة في المحافل الدولية كان آخرها المشروع السعودي الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يدين استخدام الحكومة السورية للأسلحة الثقيلة، وينتقد عجز مجلس الأمن، ويطالب بانتقال سلمي للسلطة ورحيل بشار الأسد، ويؤكد أن هذا النظام فقد شرعيته أمام المجتمع الدولي. وعلى المستوى المادي لعبت المملكة دوراً كبيراً في دعم الشعب السوري من خلال العديد من المبادرات كان آخرها المبادرة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين تحت عنوان «الحملة الوطنية السعودية لنصرة المتضررين في سوريا» والتي ساهمت تبرعاتها في تخفيف العبء عن المئات من الأسر السورية، وستسعى قمة مكة لدعم جهود إنهاء الأزمة في سوريا قبل أن يتحول الوضع هناك لحرب أهلية قد تؤدي إلى انفجار المنطقة وحدوث تأثيرات سلبية على دول الجوار. أما القضية الفلسطينية فقد حرصت المملكة العربية السعودية على تقديم كافة أشكال الدعم لها، وظلت راعية لها وحريصة على وجودها على رأس جدول أعمال القمم العربية والإسلامية، فلم تتمتع أية قضية إسلامية بتركيز واهتمام كالذي تمتعت به القضية الفلسطينيةوالقدس الشريف خاصةً، حتى بدا للبعض أن منظمة المؤتمر الإسلامي قد نذرت نفسها لتلك القضية. وستساهم قمة مكة في إعادة القضية الفلسطينية إلى لائحة الأولويات العربية والإسلامية بل والعالمية، خاصة مع انشغال العالم بالأحداث الأخيرة التي شهدتها دول الربيع العربي، والتي استغلتها إسرائيل في تصعيد عدوانها على الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية في القدس وتوسيع وتيرة الاستيطان. ويمكن للدول الإسلامية عبر لقائها في قمة مكة أن تبلور موقفا واحدا تجاه فلسطين يكون داعماً للفلسطينيين في توجههم إلى الأممالمتحدة للحصول على الاعتراف بالكيان الفلسطيني، كما أن الدول العربية والإسلامية بما تملك من علاقات مع دول العالم تستطيع أن تشكل قوى ضغط على العالم الغربي، وتنجح هذا المشروع. إن القمة الإسلامية مطالبة بموقف واضح على صعيد المسار الفلسطيني لتبيان أن حل كافة مشاكل المنطقة يبدأ عبر البوابة الفلسطينية، موقف يخاطب الغرب بأنه حان الوقت لإنهاء هذه المأساة المستمرة، وأن على الغرب أن يدرك أن المصالح التي تربطه بالعالم الإسلامي سيلحقها الضرر في حال استمرار المأساة الفلسطينية. وحول ما يتعرض له المسلمون في بورما كان للمملكة العديد من المواقف لعل أهمها إدانة المملكة أعمال العنف التي تتعرض لها أقلية الروهينجيا المسلمة في بورما والتي وصفتها بأنها «حملة تطهير عرقي». وأعرب مجلس الوزراء السعودي عن «إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها لما يتعرض له المسلمون من مواطني الروهينجيا في ميانمار بورما، من حملة تطهير عرقي وأعمال وحشية وانتهاك لحقوق الإنسان لإجبارهم على مغادرة وطنهم». ودعا مجلس الوزراء المجتمع الدولي إلى «تحمل مسؤولياته لتوفير الحماية اللازمة والعيش الكريم للمسلمين في ميانمار والحيلولة دون سقوط مزيد من الضحايا». وتشكل قمة مكة خطوة هامة في إطار الجهود الذي تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي منذ فترة طويلة للتعامل مع هذه المسألة على عدة مستويات، أهمها جمع مسلمي منطقة الروهنجا تحت مظلة واحدة بعد أن كانوا غير منظمين، وتعبئة المنظمات الدولية، وطلب عقد اجتماع لمجلس حقوق الإنسان، وطلبت المنظمة إرسال وفد إلى بورما، لكنها لم تحصل على رد حتى الآن، وستعمل قمة مكة على دعم هذه التوجهات والمطالب وطرح القضية بقوة على أجندة المجتمع الدولي. المملكة وخدمة العالم الإسلامي تعمل المملكة ومنذ نشأتها تعمل على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه استناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين لمكانتهم وعزتهم. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي سعت المملكة وبادرت مع شقيقاتها الدول الإسلامية بإقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية. ويمكننا القول: إن المملكة تنهض بدور فاعل في العالم الإسلامي سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وهو الأمر الذي فرضه تاريخ وواقع المملكة على صعيد العالم الإسلامي، وتسعى المملكة دائماً لتعزيز دورها في العالم الإسلامي على كافة الأصعدة، مع السعي لتفعيل وتنمية هذا الدور ليكون على قدر الوضع الذي تحتله المملكة في قلب كل مسلم في شتى أرجاء المعمورة. وللدولة السعودية دور رائد وكبير في دعم الأقليات الإسلامية في العالم، وتنطلق المملكة في هذا الدور من منطلق أن «مناصرة المسلمين واجب شرعي»، وتعود البداية إلى عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى- مؤسس هذه الدولة المسلمة؛ إذ أعلن في مناسبات كثيرة أنه يسعى جاهدا لخدمة قضايا المسلمين، ومد يد العون والمساعدة إليهم، من ذلك ما قاله - رحمه الله تعالى- في خطبة له ألقاها في جدة: «إن لنا في الديار النائية والقصية إخوانا من المسلمين ومن العرب، نطلب مراعاتهم وحفظ حقوقهم، فإن المسلم أخو المسلم، يحنو عليه كما يحنو على نفسه في أي مكان كان، وإني أؤكد لكم أن المسلمين عموما والعرب خصوصا كالأرض الطيبة كلما نزل عليها المطر أنبتت نباتا حسنا، وإن المطر الذي نطلبه هو الأفعال الجميلة من الحكومات التي لها علاقة بالبلاد التي يسكنها إخواننا من العرب ومن المسلمين، وإن الأرض الطيبة هم المسلمون عامة والعرب خاصة ولي الأمل في أن الحكومات المحترمة ذات العلاقة بالبلاد الإسلامية والعربية لا تدخر وسعا في أداء ما للعرب والمسلمين من الحقوق المشروعة في بلادهم». وتجلت مظاهر جهود الدولة السعودية في دعم الأقليات الإسلامية في عدد من المحاور أولها إقامة المراكز والمعاهد التعليمية الإسلامية. فقد أولت الدولة السعودية المراكز والمعاهد والجامعات الإسلامية في بلاد الأقليات الإسلامية اهتماما كبيرا؛ لأنها من أهم الوسائل في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية، فسعت إلى إنشائها في سبيل تحقيق هذه الغاية، وكانت لها اليد البيضاء في هذا المجال من مجالات الأعمال الخيرة الصالحة، وأنفقت المليارات في سبيل إقامة المراكز والمدارس والمعاهد الإسلامية التي تخدم مئات الآلاف من الأقليات الإسلامية. تأسيس الهيئات والمنظمات الإسلامية وكان من مظاهر جهود الدولة السعودية في دعم الأقليات الإسلامية أيضاً تأسيس الهيئات والمنظمات الإسلامية ورعايتها ويأتي في مقدمتها: (صندوق التضامن الإسلامي- البنك الإسلامي للتنمية - رابطة العالم الإسلامي- هيئة الإغاثة الإسلامية). ففي ما يتصل بصندوق التضامن الإسلامي ساهمت الدولة السعودية بمبلغ خمسة وسبعين مليون ريال، وذلك كي يتمكن الصندوق من القيام بمهامه، ومنها تنشيط برامج الإعلام الإسلامي والدعوة الإسلامية لربط الأقليات بعقيدتهم، وتعزيز انتمائهم الإسلامي وإقامة المراكز والمدارس الثقافية للأقليات المسلمة، وإرسال الدعاة والمحاضرين والمدرسين، وشراء البرامج الإذاعية والأفلام الدينية. أما بنك التنمية الإسلامي فإن الدولة السعودية التي تحتضن مقره وتسهم بنسبة تزيد على ربع ميزانيته، وتبرعت بمبلغ 50 مليون ريال لإقامة المقر. ومن المنظمات التي قامت المملكة برعايتها رابطة العالم الإسلامي التي أنشئت عام 1389ه بناء على القرار الصادر عن المؤتمر الإسلامي العام، وهي منظمة إسلامية عالمية تمثل فيها كافة الشعوب الإسلامية في أنحاء المعمورة، ومن أهدافها تبليغ دعوة الإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه، والدفاع عن القضايا الإسلامية بما يحقق مصالح المسلمين وآمالهم، وتساهم المملكة ب 90% من ميزانيتها، إضافة إلى التبرعات والمساعدات التي يقدمها أبناء المملكة لتعزيز نشاط الرابطة، وأقامت الرابطة من أجل تحقيق أهدافها الإسلامية مطبعة خاصة لدورياتها وإصداراتها وجميع ما يتعلق بمطبوعاتها لنشر الوعي الإسلامي بين أبناء الأمة الإسلامية في العالم، وتم تزويدها بأحدث الآلات والمعدات الفنية والبشرية.كما تقوم الرابطة بطبع وتوزيع الملايين من المصاحف القرآنية ومئات الآلاف من ترجمات معاني القرآن الكريم بمختلف اللغات السائدة في العالم الإسلامي. أما هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية فهي هيئة منبثقة عن رابطة العالم الإسلامي، ظهرت للوجود عام 1398ه، وهي هيئة تحتضنها المملكة العربية السعودية وتحيطها برعايتها، وتلقى دعما كريما سخيا من خادم الحرمين الشريفين للقيام بأعمالها المنوطة بها على أحسن وجه، ومن أبرزها: إنشاء الملاجئ ودور الرعاية للأيتام والمحتاجين من المسلمين وخاصة في مناطق النكبات والكوارث. إيصال المساعدات العينية للمتضررين من المسلمين في كافة أنحاء العالم. إقامة المراكز الصحية والمدارس التعليمية في البلاد التي تعاني الفقر والمجاعة والنكبات، رعاية المعلمين والدعاة وإرسالهم إلى بلاد المسلمين الفقيرة، أو إلى بلاد توجد فيها أقليات مسلمة، وتقوم الهيئة بدفع رواتبهم من ميزانيتها الخاصة.ولقد كان لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية برعاية حكومة المملكة العربية السعودية دور بارز في إيصال المساعدات إلى المسلمين في أفغانستان والبوسنة والهرسك والصومال، وغيرها من البلاد التي حدثت بها الكوارث والنكبات.