تؤكد سجلات التاريخ، ومسيرة الحب المتبادل بين الشعبين السعودى والمصرى، أن لمصر مكانة خاصة فى قلوب ملوك السعودية، منذ تأسيسها على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، مرورا بالملوك سعود وفيصل وخالد، وصولا إلى فهد وعبد الله، وحتى الملك سلمان. فهى بالنسبة لهم جميعا قلعة الصمود العربى والشقيقة الغالية، العزيزة بنهضتها، والعظيمة بقادتها وشعبها المكافح. فبينما العالم كان يموج بالصراعات الدولية فى منتصف عشرينات القرن الماضى، وتتصارع الدول العظمى على تفتيت منطقة الشرق الأوسط وتقسيم كعكتها، كان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- يتجه بعقله وقلبه إلى الأم الكبرى مصر، يبنى قواعد قوية ومتينة من العلاقات تزيل كل ما زرعه الاستعمار من تشوهات. واستطاع الملك المؤسس أن يبنى جسورا من المحبة والمودة بين الدولتين، قيادة وشعبا، فى ظروف اقتصادية وسياسية صعبة للغاية. وخلال معاركه التى خاضها الملك عبد العزيز فى الفترة من عام 1902 وحتى عام 1932م، لاسترداد ملك آبائه، كانت الأسرة المالكة السعودية على علاقة طيبة وقوية بقادة مصر وزعمائها آنذاك، وفى مقدمتهم سعد زغلول ومصطفى النحاس، وانعكست هذه العلاقة على الشعب السعودى الذى كان يرى فى المصريين خير الأشقاء. وتدفقت بين الشعبيين مشاعر المحبة والمودة التى ترجمها المصريون فى استقبالهم بحفاوة بالغة فى 9 أغسطس عام 1926 الأمير سعود بن عبد العزيز ولى عهد الحجاز ونجد آنذاك (قبل توحيد المملكة)، فى أول زيارة رسمية بين البلدين، تم خلالها علاج ولى العهد من مرض أصاب عينه، وترميم الشرخ الذى حدث جراء حادث الاعتداء على المحمل المصرى فى منى، ووجه الأمير السعودى (الملك بعد ذلك) رسالة شكر وتقدير ومحبة، لزعماء وقادة مصر على حفاوة الاستقبال، ودعا للشعب المصرى بالسعادة، متمنيا لهم تحقيق الآمال. وحبًّا لمصر وشعبها، قرر الملك عبد العزيز عام 1946م أن تكون القاهرة، أول عاصمة عربية يقصدها فى أول زيارة له خارج المملكة، التقى خلالها الملك فاروق. ووجه الملك عبد العزيز رسالة تحية وتقدير إلى مصر والمصريين قال فيها: «لقد تجلت مصر الكريمة المضيافة، عظيمة بمليكها وقادتها وشعبها.. عزيزة بنهضتها، قوية بجيشها.. وما جيش مصر إلا جيش العرب». ولن ينسى المصريون ما سجله الملك لشعبه السعودى عند عودته إلى بلده من كلمة تاريخية تعبر عن حبه العميق لمصر التى اعتبرها بلده، حيث قال: «شعبى العزيز.. أحمد الله إذ أعود من بلاد هى بلادى وبلادكم. مصر العزيزة». ويمضى الملك فى وصف مصر وحبه لها، وتقديره لدورها فى خدمة قضايا الأمتين العربية والأسلامية، مؤكدا أن السعوديين سيستمرون على هذا الحب والتقدير «بمشيئة الله ما حيينا وسنورثها بنينا»، وأعلن الملك يومها وصيته وحكمته الشهيرة لأبنائه قائلا:"«لا غنى للعرب عن مصر ولا غنى لمصر عن العرب». وظلت مصر بالفعل عزيزة فى قلوب كل أبناء الملك المؤسس حتى اليوم، يمنحونها ولا يمنّون، يلبون نداءها فى أى زمان ومكان، يقفون بجوارها، يساندونها فى السراء والضراء. ويعد الملك فيصل، من أكثر الأمراء الذين زاروا مصر قبل أن يصبح ملكا، حيث زار مصر أكثر من مرة، وهو ولى للعهد إبان حكم الملك سعود؛ للمشاركة فى تأسيس الجامعة العربية (بيت العرب)، والتقى فى ذلك الوقت الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس وعددا من قادة مصر. وكان للملك فيصل وقفته الشجاعة فى حرب أكتوبر عام 1973م، عندما قرر إرسال سرب من الطائرات للمشاركة فى المعركة ضد إسرائيل، وأصدر قراره العالمى الشهير بقطع إمدادات البترول عن أوربا وأمريكا، وقال ردا على تهديدات الغرب: «ماذا يخيفنا؟ إننا لا نخشى الموت.. لقد عاش آبائى وأجدادى مئات السنين على ثمار النخيل، ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم ونستغنى عن البترول»، وتقديرا لدوره الكبير أطلق المصريون اسم الملك فيصل على العديد من شوارعهم وميادينهم وأحيائهم. وعلى خطى والده، قرر الملك خالد بن عبد العزيز عقب توليه الحكم، أن تكون أول زيارة له خارج وطنه، مصر، وأكد فى بيان ملكى له، أنه يخص مصر الشقيقة بالزيارة الأولى كونها قلعة الصمود العربى. كما زار مصر الملك فهد بن عبد العزيز، ويحسب التاريخ له، ما كان يقدمه لمصر من دعم مالى كبير، بل كان يفاجأ قادتها بما يعلنه من منح وقروض تقدر بملايين الدولارات للمساهمة فى إعادة بنائها ودعم اقتصادها. وفى عهد الملك عبد الله، شهد العالم بأسره، كيف يكون الوفاء من السعوديين قادة وشعبا للمصريين، حيث ساند الملك عبد الله وبكل قوة الشعب المصرى، وبذل كل جهده للحفاظ على وحدته وتماسكه وعدم انهيار الدولة المصرية، ووضح ذلك فى أعقاب ثورتى 25 يناير، و30 يونيو، حيث كان الملك عبد الله أول المهنئين للسيسى بفوزه فى الانتخابات الرئاسية، وكانت هذه التهنئة رسالة قوية للعالم الغربى بأن المملكة مع مصر، ولن تحيد عن مساندتها. وقبيل رحيله، حرص -يرحمه الله- على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي فى المطار، معلنا تأييده ودعمه لمصر ورئيسها فى كل الخطوات التى تحمى الدولة المصرية ومؤسساتها. وسيظل التاريخ شاهدا هنا على مقولته الشهيرة «مصر وطنى الثانى.. وأى مساس بأمن مصر.. يعد أولا مساسا بالإسلام والعروبة، وبذات الوقت مساسا بالمملكة العربية السعودية». واليوم.. يواصل الملك سلمان بن عبد العزيز، بزيارته التاريخية، مسيرة المحبة لمصر، ودعمها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، حيث وجه ملك الحزم والحسم والمواقف الشجاعة والبطولية بتوفير كل ما تطلبه مصر من وقود لحل أزمتها الخانقة فى الطاقة والكهرباء، كما وجه رجال الأعمال السعوديين بالاستثمار فى مصر، وبتشكيل مجلس تنسيقى بين البلدين، لإزالة كل معوقات الاستثمار، وأسفرت توجيهاته -يحفظه الله- عن ضخ نحو 8 مليارات دولار فى عصب الاقتصاد المصرى، والاتفاق على توفير كل احتياجات مصر من النفط لمدة 5 سنوات. ووفاء من مصر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وتقديرا من الشعب المصرى لكل خطواته وتوجيهاته الرامية لمساندة المصريين، وإنقاذهم من الأزمة الاقتصادية – قررت الحكومة المصرية إطلاق اسمه على أول جامعة عالمية يتم تأسيسها فى مدينة الطور بأرض الفيروز (سيناء)، تقدر تكلفتها بأكثر من مليار و100 مليون جنيه. ,