بعد مسيرة حافلة بالعطاء، استمرت نحو نصف قرن من الزمن، تودع صحيفة «السفير» اللبنانية جمهورها اللبناني والعربي في نهاية الشهر المقبل. على الرغم من أن قرار إقفال «السفير» لم يكن مفاجئا للعاملين فيها، خاصة أنه جاء بعد سلسلة إجراءات مهدت لاتخاذ هذه الخطوة، فإنه شكل صدمة لمتابعيها على امتداد العالم، ليس عبر المطبوعة الورقية فحسب، حيث ستُطوى صفحة من أبرز صفحات الصحافة الورقية، بل عبر صفحات موقعها على الإنترنت، الذي سيُحجب بدوره عن القراء. وأكدت صحيفة «السفير» اللبنانية خبر توقف صدورها. ويعيش موظفو الجريدة العريقة ظروفا صعبة، بعدما أرسل الناشر طلال سلمان رسالة إدارية يطلب فيها بكل مودة أن يكتب جميع الصحافيين عن تجربتهم الخاصة في المؤسسة، وعن نشأة الصحيفة وأهم المحطات الزمنية والمهنية وأهم التحقيقات الاجتماعية والبيئية والمقالات السياسية والأمنية. وسيكون عدد 31 مارس هو العدد الأخير الذي سيصدر ورقيا، وسط تضارب معلومات عن احتمال توقف «موقع السفير» الالكتروني أيضا عن العمل، بعدما اتخذت إدارة الصحيفة قرارا يقضي بإيقاف تزويد العاملين في الصحيفة بخدمة الإنترنت في نهاية الشهر الحالي. وما إن شاع خبر توقف الصحيفة اللبنانية العريقة عن الصدور، حتى انطلقت التكهنات والاجتهادات والتحليلات حول الأسباب، التي دفعت بأحد أبرز أركان الصحافة المكتوبة، صاحبها طلال سلمان، إلى إقفال أبواب إمبراطوريته الإعلامية، التي دأب على بنائها خلال 47 عاما، وجعلها «صوت الذين لا صوت لهم». الإعلامي عبد الرحيم شلحة، الذي عمل في «السفير» أكثر من 20 عاما، يؤكد عدم الشعور بأي أزمة داخلية قبل السنوات الثلاث الأخيرة، حين تجلت الأزمة في الشق المادي. ورغم كل محاولات تجاوز الأزمة، عبر إطلاق أكثر من نداء لتحويلها إلى مؤسسة لإبعاد شبح التوقف عنها، فإن يد العون كانت دون المستوى. ويرى «شلحة» ألا مصلحة للأنظمة المتهاوية بدعم صحيفة لا تزال ملتزمة بخياراتها، التي تواجه ظلمه وعفنه؛ ولا حتى للنظام اللبناني المتلهي بالفساد والسرقة، بحيث باتت النفايات الخبر الأول في الصحافة اللبنانية. ويقول الإعلامي اللبناني إن تراجع «السفير» استمر بداية مع تقليص عدد صفحاتها، ثم مع تخلي الإدارة عن مجموعة من عامليها للتخفيف من الأزمة. غير أن هذه الإجراءات لم تكفِ للاستمرار، فكان قرار تجرع مرارة الإقفال، أو كما سماه صاحب «السفير» طلال سلمان – مقتلة الصحافة في وطن الأرز. ويعد توقف صدور صحيفة «السفير» ورقيًّا، بمثابة الإنذار الأول لموت الصحافة الورقية. وتشير بعض المعلومات إلى أن صحيفة «النهار» اللبنانية قد تتبعها بعد فترة.