رحل عبد الله تاركا إرثا بشريا لا يفنى، يحمل العلم والفكر والنور، متسلحا بالقيم والإنجاز والتقدمية، لا يعرف التصنيف والتفرقة. دعّم المرأة كشقيقة للرجل، لها مثلما له، بلا أي فوارق أو امتيازات. حملَنا الملك الصالح عبد الله من غياهب العدم، لا صوت لنا ولا وجود، لأرقى جامعات العالم وأهمها، حاملا همَّ إقحامنا في المجالات كافة حتى يُسمَع صوتنا كمؤثرين، نسابق ركب المتقدمين بكل شموخ وثقة. لن أُعدِّد أعمال عبد الله بن عبد العزيز «ملك التنوير»، كونها لا تحتاج سطورا، فمن يشاهدنا اليوم يعلم تماما أننا نتاج حكم عبد الله بن عبد العزيز. خاطبَنا حين ألمَّ به الوجع ب«شعبي الحبيب، ما دمتم بخير فأنا بخير»، هل من قائد.. أو حاكم.. قبله سبقه بها.. بكل فخر، لا! الملك الصالح ناديناه ب«ملك للإنسانية» و«حبيب للشعب» ولم تكن مجرد مسميات نتغنى بها، ولكنها هدير القلوب نحو الأب الحاني، الملك الوالد الذي أبى إلا أن ينهض بنا رغم التأخر وقسوة القيود الاجتماعية والقبلية والموروث المتهالك والغياب الدهري عن تطور الفكر. حررنا من عقدة الانعزال والتطرف الاجتماعي لنفكر ونتعلم ونُقدِم لتغيير الوطن ونهضته.. رحل عبد الله وبَكَتْهُ قلوبنا وما زالت تبكيه وتتجرّع مرارة اليُتم من بعده، ولكن عزاءنا أن الملك الصالح الراحل أبى أن يفارق الذاكرة وأن يمتلكها بالدعاء والحب وكل هاجس جميل. بالأمس، كانت الذكرى الأولى لرحيله، التي نجدد له فيها مواثيق الحب والدعاء، ونعاهده فيها بألا ننساه ما حيينا. وفي الذكرى ذاتها، جددنا ولاءنا وبيعتنا لقائدنا الحازم سلمان بن عبد العزيز الذي تولى مقاليد حكمه، حاملا الجيل الشاب من الأسرة، مجدِّدا بهم دماء السلطة بجيل يحاكينا بالفكر والتطلعات التي نتوق إليها. فمنذ الأشهر الأولى، كان اسم مملكتنا هو الأقوى والأهم والأكثر تأثيرا عالميا، بعد أن تحركت لنجدة اليمن تحت لواء أهم تحالف عسكري إسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو التحالف الأول والأكبر من نوعه على مستوى العالم العربي.. في غضون أشهر، كانت لنا الكلمة الأولى ولحظة البدء في كل أمر، سيطرنا على الإرهاب وكافحناه قيادة وشعبا، ثم جاء الإعلان عن أول تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب، الذي يضم 34 دولة، مقره الرياض. نعم، نحن جيل نشأ بين عهدين «عهد التنوير والنهضة»، وعهد «الحزم والقوة». السمة المشتركة في هذين العهدين، أنهما حملا سمة التغيير نحو الأفضل، وانفردا بالمشاركة ليحيا الوطن متكاتفا مع قيادته ومباهيا بها. إننا نمرّ بأهم حقبة وأكثرها تعقيدا، حيث إنها الممرّ نحو التقدم والتغيير الجذري ونفض غبار التهالك والسقم الذي سيطر على أوجه الحياة والتعايش كافة. جميعنا خلف القيادة ولن يستطيعنا الأشرار مهما حقنوا المجتمع بداء الطائفية والعنصرية التي نجهلها، فكلنا تحت لواء التوحيد وراية العزة متماسكين ومتكاتفين في ظل ولاة أمرنا وحكمهم الرشيد. عاش عبد الله حيا في قلوبنا، وعشنا في ظل سلمان الحزم آمنين، ودام الوطن مستقرا..