أوصت دراسة تطور المنظومة القضائية التي استعرضها منتدى الرياض الاقتصادي اليوم "الثلاثاء" في الجلسة التي رأسها نيابة عن وزير العدل الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، فضيلة الشيخ الدكتور عبدالاله الفريان بضرورة تعديل نظام التحكيم التجاري وإزالة غموض بعض نصوصه، وأهمها اختصاص المحكمة عند مصادقة الحكم، وإزالة بعض الشروط التي تفرضها المحكمة دون أساس قانوني لها. وطالبت الدراسة التي حملت عنوان " تطور المنظومة القضائية وعناصر القوة ومجالات التطوير والتحفيز وأثره على الاقتصاد الوطني"، وتولى عرضها الدكتور أسامة بن سعيد القحطاني عضو الفريق المشرف على إعداد الدراسة ، و تولى المحاوران الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء، والدكتور يوسف بن عبداللطيف الجبر المحامي والمستشار في أنظمة القضاء، المناقشة التفصيلية للدراسة، طالبت بتحديد دور الاستئناف بوضوح، وتسمية المحكمة العليا كجهة تمييز لحكم الاستئناف في حال الطعن بالبطلان، كما أوصت بضرورة الإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية للنظام، وطالبت بدعم المركز السعودي للتحكيم التجاري بالكوادر المهنية، وتزويده بالوسائل النظامية التي تمكنه من أن يصبح مركزاً رائداً لأكبر اقتصاد في المنطقة، وأوصت كذلك بنشر ثقافة الوسائل البديلة في التقاضي. وفي محور الحوكمة دعت الدراسة إلى صياغة استراتيجية حديثة للحوكمة وهيكلتها، واقتراح الأنشطة المعيارية اللازمة لها، وطالبت بتأسيس إدارة متخصصة في المجالس القضائية تختص بإدارة وقياس ومراقبة الأداء، وفي محوري الهيكل القضائي، والتشريعات القضائية دعت الدراسة إلى إعادة تنظيم التشريعات التي تعالج مسألة تنازع الاختصاصات للتخلص من التأثير السلبي لهذا التنازع الذي يعاني منه القضاء، وإسناد ذلك إلى محكمة للتنازع على غرار التجربة الفرنسية. إنشاء محاكم متخصصة ونادت التوصيات بالتوسع في إنشاء المحاكم المتخصصة، وعلى سبيل المثال محكمة تختص بالقضايا العقارية، مع توسيع اختصاص المحكمة العليا لتشمل النظر في الطعون الموضوعية على بعض الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، ولفتت إلى ضرورة اعتماد آلية جديدة لملء الفراغات التشريعية وتحديث الآلية التي وضعها النظام الحالي، وشددت على أهمية مراجعة كفاءة بعض الإجراءات الواردة في الأنظمة، وخاصة نظام التنفيذ. وطالبت الدراسة بوضع خطة استراتيجية للوصول إلى الحد الأدنى من الكفاية في المباني القضائية، مع ضرورة اعتماد معايير واشتراطات للمباني وتجهيزاتها، وفي محور الموارد البشرية دعت الدراسة إلى تصميم خطة حديثة ومتخصصة للتدريب القضائي وتنفيذها بكفاءة، وأوصت بتدريس الأنظمة في الكليات التي يتخرج منها القضاة، وتعزيز المهارة المهنية القضائية والقانونية وتطوير المناهج المعنية بالدراسات القضائية. واقع التشريعات القضائية بالمملكة وتركزت الدراسة على ستة محاور تستهدف في مجملها تطوير المرفق القضائي وتخفيف الضغط الذي تشهده أروقة المحاكم في مختلف القضايا، وشملت المحاور الاهتمام بتطوير الهيكل القضائي، دراسة واقع التشريعات القضائية والعوامل المرتبطة بها، الكوادر البشرية وآلية تطويرها ودعمها، وتطوير البنية التحتية للقضاء، ومواكبة المحاكم السعودية لمعايير الحوكمة العالمية في مجال القضاء، وأخيراً دراسة وتقييم واقع الوسائل البديلة للقضاء لتطوير القضاء. وركزت مناقشات المتداخلين على ارتباط البيئة القضائية وأثرها على حركة الاقتصاد والاستثمار، ونوه البعض بما تناولته الدراسة بشأن أثر البيئة التشريعية السليمة، وأنها ترسم إطار بيئة الأعمال، كما أن استقلال القضاء يعد عاملاً محفزاً على النمو الاقتصادي، وأن قوة النظام القضائي ومصداقيته تعكس قوة أنظمة الدولة ومدى جاذبيتها الاستثمارية، ولفتت الدراسة كذلك إلى أن تأخر تطبيق بعض التشريعات أسهم في بقاء حالة التباعد في النظام القضائي، كما طالب بعض المتحدثين بالاهتمام بتكريس عوامل الشفافية. ذكر د. أسامة القحطاني في عرضه لمحاور الدراسة أن أبرز ما رصدته الدراسة يدور حول الهيكل القضائي وتمثل في المحور الأول ويتضمن أنواع الهياكل القضائية، واقع الهيكل القضائي في المملكة من خلال القضاء العام، القضاء الإداري، اللجان ذات الاختصاص القضائي، ويتناول المحور التجربتين القضائيتين لفرنسا المتمثلة في القضاء المزدوج، والثانية لتجربة الدانمارك وتتمثل في القضاء الموحد. القضاء الموحد والمزدوج واستعرضت الدراسة نظام "القضاء المزدوج"، الذي يتميز بوجود جهازين قضائيين يختص أحدهما بالفصل في المنازعات الإدارية، والآخر بالمنازعات الأخرى عدا الإدارية إلا ما استثني منها، ويتسم هذا النموذج بازدواجية الهيكل القضائي بدرجاته المختلفة، واستقلال كل جهاز عن الآخر من حيث مبادئه الموضوعية، ومن حيث القضاة، وكذلك من حيث الجوانب المالية، وهو النموذج السائد في فرنسا ومعظم الدول الأوربية، وبعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية. أما نظام "القضاء الموحد" وتمثله التجربة الدانماركية، فيعني إخضاع كافة المنازعات والدعاوى القضائية في الدولة لسلطة جهاز قضائي واحد، يتسم بوحدة الهيكل بدرجاته المختلفة، ووحدة القانون والقاضي، وهو النموذج السائد كذلك في بريطانيا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبعض الدول العربية كالسودان. و في المحور الثاني: التشريعات القضائية، اشارت الدراسة الى أنه يمكن حصر الأنظمة المباشرة في النظام القضائي بالمملكة في الأنظمة التالية: نظام القضاء 1428ه، نظام المرافعات الشرعية، نظام المرافعات لدى ديوان المظالم، نظام الإجراءات الجزائية في نظام التنفيذ، نظام المحاماة، ولائحة الموثقين، بالإضافة إلى اللوائح التنفيذية المتعددة والمندَرجة تحت نظام القضاء واللوائح التنفيذية لبقية الأنظمة. وتعرض الدراسة أنه منذ صدور نظام القضاء عام 1428ه، وبدأت مسيرة جديدة لتحديث القضاء بالمملكة وتجديد أنظمته، ومن ضمن أبرز إضافاته ما يلي: * أسس نظام القضاء الجديد لدرجة قضائية جديدة لم تكن موجودة سابقا وهي الاستئناف، وأنشأ المحكمة العليا لتكون محكمة قانون فقط ولا تنظر في الموضوع وفحوى الدعوى، وإنما فقط لفحص استيفاء الإجراءات والأصول الشرعية والنظامية التي تمت، إلا في جرائم جزائية محددة مثل القتل أو القطع ونحوهما، كما أنشأ النظامُ عددا من المحاكم المتخصصة كالمحاكم العمّالية، والأحوال الشخصية. القضاء المدني والقضاء التجاري * حرص النظام على توحيد القضاء المدني ليكون تابعا للقضاء العام، وقرّر لأجل ذلك نقل القضاء التجاري من ديوان المظالم ليكون تابعا للقضاء العام، ويبقى الديوان متخصصا في القضاء الإداري فقط، وفيما يتعلق بالجانب الموضوعي ودور القضاء في سدّ الفراغات التشريعية، فإن النظام أسس لذلك المبادئ التي تضعها الهيئة العامة بالمحكمة العليا، لتساهم في الحد من الضبابية واختلاف الأحكام. * بدأت المحكمة العليا فعليا بممارسة هذا الاختصاص، وفي جانب تنفيذ الأحكام القضائية فقد صدر نظام جديد يختص في كل ما يتعلق بالتنفيذ، وأسس لقضاء تنفيذ حديث وجديد، وارتفعت معه فاعلية الأحكام القضائية، كما أعطى القضاء العديد من الصلاحيات والآليات لتعزيز تنفيذ الحكم القضائي. * يمارس القضاء التجاري والإداري التابع حاليا لديوان المظالم، انتهاج آلية الدوائر القضائية بدلا من القاضي الفرد، لأجل تعزيز سيادة الرأي الجماعي وليس الفردي، كما أن الديوان يعطي السوابق القضائية قيمة أدبية ويحترمها أحيانا، مما يجعل استقرار الأحكام لديه أفضل من الحال في القضاء العام، وبهدف استقرار الأحكام القضائية أيضاً صدر أمر ملكي بوضع مدونة الأحكام الشرعية تخدم وجود نصوص نظامية موضوعية حاكمة. ويتناول المحور الثالث من الدراسة: الموارد البشرية، حيث درست واقع الموارد البشرية في المرفق العدلي من خلال عدة نواحي من أبرزها الوظائف، تخطيط الموارد البشرية، الأجور والمزايا، التدريب، كما استعرضت نظام القضاء، وآليته التنفيذية، والهياكل التنظيمية للمرفق، والأمر الملكي الصادر بالفصل بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل ولائحة التفتيش القضائي في القضاء العام والقضاء الإداري، والخطط التدريبة. وعالج المحور الرابع: البنية التحتية يشمل هذا المصطلح مكونات أساسية، وهي المنشآت والمباني، والبنى التحتية للاتصالات والتقنية، والخدمات الإلكترونية، أما المحور الخامس فيتناول الحوكمة في القضاء، من خلال دراسة الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ونظام القضاء وآليته التنفيذية، والهياكل التنظيمية للمرفق العدلي، والأمر الملكي الصادر بالفصل بين المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل، ولائحة التفتيش القضائي في القضاء العام والقضاء الإداري، وأنظمة الإجراءات كالمرافعات الشرعية وغيرها، ودراسة لجميع الأجهزة الرقابية التي تتولى متابعة أداء الأجهزة القضائية المالي والإداري. وتحدث المحور السادس عن الوسائل البديلة في التقاضي، وتهدف لفض النزاع بطريق اتفاقيّ، دون اتباع للإجراءات القضائية الرسمية، حيث تسهم في فتح باب الوسائل البديلة في حل المنازعات، وتتزايد أهمية تلك الآليات نتيجة للمزايا الكبيرة التي توفرها مقارنة بالمحاكم، كالمرونة والحيادية والسرعة والسرية وانخفاض التكلفة، والتأهيل الخاص للقائمين عليها، وللوسائل البديلة عدة أشكال تضم ثلاثة أنواع رئيسية تعد الأكثر انتشارا، وهي الوساطة، التوفيق والمصالحة، والتحكيم. تفعيل المصالحة والتوفيق: وترصد الدراسة أنه صدر في عام 1434ه تنظيم مركز المصالحة من مجلس الوزراء، وعلى أساسه صدرت قواعد العمل في مكاتب المصالحة، ويؤسس التنظيم وقواعده، آلية للعمل لإنشاء مراكز للمصالحة، ووجود لجان ومكاتب الصلح في داخل المحاكم للمساهمة في فض بعض المنازعات الأسرية، قبل البت فيها مثل قضايا الطلاق والنفقة. واشارت الدراسة الى ان التحكيم هو الآلية الأكثر شيوعا ضمن الآليات البديلة لتسوية المنازعات، ويتم اللجوء للتحكيم بشكل أكبر في النزاعات التجارية لأنه يوفر عدة مزايا أهمها السرية والسرعة في إنهاء النزاع، وكان نظام التحكيم السعودي قد صدر عام 1433ه، كما صدر قرار مجلس الوزراء بتأسيس "المركز السعودي للتحكيم التجاري". واستفاد النظام السعودي من النماذج الدولية الحديثة، وأدخل العديد من التحديثات في النظام، وحتى الآن لم تصدر لوائحه التنفيذية، كما أن هناك إشكالات فيما يتعلق باختصاص القضاء في المصادقة على الحكم التحكيمي، وتدخله في الموضوع أحيانا، وهذا الأمر أعاق اللجوء للتحكيم بسبب صعوبة إنهائه واعتماده في النهاية على مصادقة القضاء، مما يجعل المستفيدين يلجؤون للقضاء بدلا منه طالما أنهم سيعودون للقضاء من جديد. ورصدت الدراسة مشكلة نظامية أخرى، تتمثل في جهة الاختصاص، وتساءلت هل هي محكمة الاستئناف للمصادقة، أم للرقابة الشكلية؟ وهل في حال تم تقديم طعن بالبطلان تنظره الاستئناف أو يذهب لمحكمة الدرجة الأولى؟ وكذا طلب الاعتراض عليه هل يذهب للمحكمة العليا؟ وطالبت كل هذه النقاط محل جدل وتحتاج لمعالجة تشريعية من خلال تحديث النظام لحسم النزاع فيها. ويعتبر النوع السائد في المملكة هو التحكيم الحر أو "تحكيم الحالات الخاصة"، والذي يرتبه الخصوم أو المستفيدون فيما بينهم وليس في مركز مؤسسي متخصص بالتحكيم، والسبب هو ضعف المراكز الحالية الخاصة بالتحكيم، ولذلك جاء قرار مجلس الوزراء ليعالج هذا الأمر، وتأمل الدراسة أن ينجح المركز السعودي للتحكيم في التأسيس لثقافة جديدة ينمو معها التحكيم المهني.