9 عقود مرت، ولم يقف الدعم الحكومي لمرفق القضاء، عند التوسع في افتتاح المحاكم وتطوير أنظمتها، بل تعدى ذلك ليشتمل على جوانب عدة منها إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، وأوامر تعينات القضاة على مختلف الدرجات، مع عدد من القرارات التي اتخذتها وزارة العدل من بينها إنشاء مراكز الصلح، وبدء تطبيق نظام التنفيذ، وإنشاء دوائر قضائية جديدة. الدعم المتواصل لمرفق القضاء، يأتي فيما يمضي مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء في طريقه، بالتزامن مع افتتاح عدد من المحاكم الجديدة في كافة مناطق المملكة، فيما كان جلياً دعم الحكومة لمرافق القضاء مع الاهتمام بالتوثيق العناية والرعاية بالمرافق، إضافة إلى اهتمام الدولة بالشؤون الوظيفية للقضاة، مما ساهم في رفعة وتطور هذا المرفق المهم في مشمول مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء والرعاية الدائمة لمتطلبات واحتياجات السلك القضائي. قضاء التنفيذ العام المنصرم شهد أيضاً، انتهاء وزارة العدل من إعداد مشروع اللائحة التنفيذية لقضاء التنفيذ والذي بدأ العمل به، وبدء مرفق القضاء تطبيق نظام قضاء التنفيذ، ونشر وزارة العدل المشروع على موقع الوزارة وموقع المجلس الأعلى للقضاء على شبكة الإنترنت لإطلاع القضاة وأهل الاختصاص والمهتمين بالشأن القضائي وللعموم. ووفقاً للائحة التنفيذية لنظام التنفيذ – حصلت "الوطن" على نسخة منها – فإن قاضي التنفيذ يختص بالفصل في منازعات التنفيذ مهما كانت قيمتها، وفقاً لأحكام القضاء المستعجل، ويختص أيضاً بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ، وله أيضاً بالاستعانة بالشرطة أو القوة المختصة، وكذلك الأمر بالمنع من السفر ورفعه، والأمر بالإفصاح عن الأصول، والنظر في الدعوى في الإعسار. وشملت اللائحة نظر القاضي في كل المنازعات المتعلقة بالتحقق من صحة السند التنفيذي فهي من اختصاص قاضي التنفيذ، كادعاء تزوير السند، أو بطلانه لعيب في الرضا، أو أن المنفذ ضده ليس بطرف فيه، أو إنكار التوقيع عليه ونحو ذلك. وأوضحت اللائحة أن كافة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ الجبري أو ناشئة عنها فهي من اختصاص قاضي التنفيذ، كالمنازعة في أجرة الحارس، أو استبداله، أو المنازعة في صحة تقرير المحجوز لديه لما في ذمته، أو رد ما استوفي منه دون وجه حق، أو أن المال المحجوز يفوق مقدار الدين المطالب به، أو طلب التعويض لحجز غير محقق طالبه، أو وجود تواطؤ أثناء المزاد، أو تأثير على سعر البيع، أو المنازعة في توزيع حصيلة التنفيذ على الدائنين الحاجزين، أو أن الأوراق المالية بيعت عن طريق شخص غير مرخص له في بيعها، أو منازعة غير أطراف الخصومة بأنه يملك العين محل التنفيذ. المجلس الأعلى وعلى صعيد ذي صلة، فإن المجلس الأعلى للقضاء يواصل استكمال اجتماعاته، وأعلن مؤخراً عن الموافقة على تعديل القاعدة 14 من قواعد النقل لتصبح عند المفاضلة يقدم "الأقدم في الدرجة ثم الأقدم في السلك القضائي ثم الأكفأ بموجب درجات الكفاية ثم الأكبر سناً"، بالإضافة إلى الموافقة على آلية تفريغ القضاة للدراسة، وإعطاء الموافقة على افتتاح محكمة استئناف في المدينةالمنورة في تاريخ 7/1/1435. وأعطى المجلس إشارة البدء في افتتاح محكمة استئناف الباحة في تاريخ 7/1/1435، وتشكيل لجنة مشتركة لدراسة القضايا المتعثرة وإيجاد آلية مناسبة تضمن الحقوق لأصحابها، مع دعم المحكمة العليا والجزائية المتخصصة بعدد من القضاة، ودعم الدوائر القضائية العاملة في المشاعر المقدسة في موسم الحج، ودعم دوائر التنفيذ في عدد من المحاكم العامة، ودعم دائرة تنفيذ الأحكام والمحررات الأجنبية بالرياض وجدة، مع الموافقة على إنشاء محاكم متخصصة للتنفيذ. التدريب القضائي في مقابل ذلك فإن التدريب القضائي يحظى بالنصيب الوافر في العام المالي الماضي، وأكدت وزارة العدل أنها تستهدف تدريب 37000 موظف عدلي من المحاكم وكتابات العدل جميعها، بهدف الوصول إلى تدريب 40 ألف موظف، إضافة إلى تدريب أكثر من 1084 قاضياً. محاكم الاستئناف بالمملكة، أخذت نصيبها في التطوير، إذ أقام المجلس الأعلى للقضاء تجمعا قضائيا بحضور أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والقيادات الإدارية بالمجلس ووزارة العدل. وشدد المجلس على تلك التجمعات القضائية التي تعقد للنظر في متطلبات محاكم الاستئناف بالمملكة، والتأكيد على أهمية مواصلة الدقة في توحيد أعمالها الإجرائية فضلاً عن دعمها قضائياً وإدارياً ومالياً. مراكز مصالحة ولا بد من الإشارة إلى ما أصدر عن وزارة العدل بإنشاء مركز للمصالحة بالوزارة وتعيين مدير عام الإدارة العامة للصلح والتحكيم بالوزارة عبدالعزيز بن ناصر الزيد أميناً عاماً للمركز. وينص القرار على أن يرتبط مركز المصالحة بوكالة الوزارة لشؤون التحكيم والمصالحة، بالإضافة إلى أن وزارة العدل أنشأت مكتبا للمصالحة بالمحكمة العامة بالرياض والمحكمة العامة بمكة المكرمة والمحكمة العامة بالدمام والمحكمة العامة ببريدة ومحكمة الأحوال الشخصية بجدة يتولى الأمين العام لمركز المصالحة الإشراف عليها. ويأتي قرار وزارة العدل تفعيلاً لقرار مجلس الوزراء القاضي بإنشاء مركز المصالحة ودعماً لمكاتب المصالحة لتسوية المنازعات داخل هذه المكاتب في مقرات المحاكم أو كتابات العدل، إضافة إلى الإشراف المباشر على جميع مكاتب المصالحة والعمل على رفع كفاءتها الإنتاجية ومراقبة أداء العاملين فيها. خدمات إلكترونية ومع المضي نحو تنفيذ مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء الذي خصصت له سبعة مليارات ريال، باتت الحركة العدلية في المملكة تشهد تقدما بالخدمات الإلكترونية، التي تقدمها وزارة العدل وتنشد الوصول إلى الترافع الإلكتروني والضبط الشامل الإلكتروني للوزارة. ويعد مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء نقطة تحول تاريخية في مسيرة القضاء في المملكة، يحقق الاستقلال للمرفق ويعزز جانب التخصص ويوجد ضمانات العدالة ويريح القضاة والمراجعين للمحاكم. واكتمل عقد الأنظمة بصدور نظام "القضاء" المعدَّل، ونظام "ديوان المظالم" المعدَّل عام 1428، فيما يصنف مرفق القضاء وفقاً للتنظيمات الجديدة إلى مراتب ثلاث وهي "المحاكم الابتدائية، ومحاكم الاستئناف، والمحكمة العليا". مراكز التحكيم وبالتوازي مع ذلك يستعد مرفق القضاء في المملكة إلى انطلاقة أعمال المركز السعودي للتحكيم والذي يتبع لمرفق وزارة العدل بالبلاد بغية أن تخفيف الأعباء على القضاء، في حين أسندت الوزارة بعض الوظائف لهذا المركز. وأفصحت مصادر مطلعة، أن مراكز التحكيم كانت تعمل بجهود "شخصية" في الوقت الحالي، وعليه استلزم أن يتم إنشاء مركز جديد للتحكيم تابع للجهة القضائية في البلاد، "وزارة العدل"، مشيراً إلى أن بعض الدول لا يلجأ المتقاضون فيها إلى المحاكم، بل تعتمد سياسة الاعتماد على مراكز التحكيم. يشار إلى أن إدارة التحكيم في وزارة العدل تعمل على مباشرة الاختصاصات المتعلقة بالتحكيم المنوطة بالوزارة الواردة بنظام القضاء، إضافة إلى تزويد المحاكم ببيانات المحكمين والآلية التي يمكن عن طريقها الاستفادة من المحكمين، عطفاً على تقديم الدراسات والمقترحات التي من شأنها تفعيل الاستفادة من التحكيم في القضايا، ووضع آلية مناسبة للاستفادة من المحكمين في القضايا التي تقبل التحكيم قبل رفعها للمحاكم، مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، وتحديد مجالات التحكيم وتسجيل العدد اللازم من المحكمين. تاريخ حافل وبالعودة إلى قصة إنشاء القضاء، فإن مؤسس المملكة، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، قد أصدر تعليمات إبان إعلانه التشكيلات الموقتة لرئاسة القضاء في عام 1344 عرفت هذه التعليمات باسم: "مواد إصلاحية موقتة للمحاكم الشرعية"، وقد أوضح حينها في خطابه المنشور في صحيفة أم القرى رقم 32 في 16/1/1344ه على تحديد مصادر الأحكام القضائية فقال: (إن أحكام الإسلام هي الركيزة الأساس للحكم، وستظل السراج المنير التي يهتدي بهديها السائرون ويستضيء بنورها المدلجون وإن الإسلام دين جاء لما فيه صلاح الناس في الدنيا والآخرة، وأن من أراد سعادة الدارين من الأفراد والجماعات فما عليه إلا أن يفهم حقيقة الإسلام وأحكامه، ويسعى للعمل بها حتى يكون في هناء وسعادة ورفاه). وفي عام 1345 أمر الملك عبدالعزيز ببقاء العمل بالمذهب الحنفي (القانون العثماني) بالحجاز فقد قال: (إن أحكام القانون العثماني ما زالت جارية إلى الآن؛ لأننا لم نصدر إرادتنا بإلغائها، ووضع أحكام جديدة مكانها، ولذا نوافق على اقتراحكم بشأن استمرار أحكام ذلك القانون...). وفي عام 1346 صدر نظام "أوضاع المحاكم الشرعية وتشكيلاتها" وهو أول نظام إداري للقضاء في الحجاز، وهو ناسخ للتعليمات العثمانية. كما أكد الملك عبدالعزيز على التزام المحاكم بأحكام الشرع دون أن تكون مقيدة بمذهب مخصوص بل تقضي على حسب ما يظهر لها من أي المذاهب كان ولا فرق بين مذهب وآخر. وفي نفس العام 1346 صدر أمر ملكي يلزم القضاة بالحكم بمقتضى المذهب الحنبلي في العموم وفي حال الخروج عن المذهب فيذكر الدليل والمستند. وفي 7/2/1346ه أعلن الملك عبدالعزيز – رحمه الله -: "بأن النظر في شؤون المحكمة الشرعية وترتيبها على الوجه المطابق للشرع على شرط أن يكون من وراء ذلك نجاز الأمور ومحافظة حقوق الناس على مقتضى الوجه الشرعي، أما المذهب الذي تقضي به، فليس مقيداً بمذهب مخصوص بل تقضي على حسب ما يظهر لها من أي المذاهب كان ولا فرق بين مذهب وآخر ...". ومع إفساح الملك عبدالعزيز – رحمه الله – النظر للقضاة لإعمال ما ترجح من الأقوال من عموم المذاهب فقد رسم – رحمه الله – قاعدة عامة للأحكام بأن تجري في العموم على وفق المفتي به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – وفي حال الخروج إلى قول آخر في مذهب غيره فيذكر دليله ومستنده. كما حدد – رحمه الله – المصادر المعتمدة في الفقه الحنبلي والتي تراعى كمرجع للأحكام.