منذ الصغر ونحن نكتب حكمة (العلم نور)على السبورة وفي الكراسة، كبرت أعمارنا وازدادت مساحة العلم في عقولنا حتى أنهكت الذاكرة وأصابها الإعياء فأخذت تتخلص من كميات وبأحجام مختلفة من العلوم، ومازلنا نجمع العلوم ونتعب فيها ونشتريها بأموالنا. ونستنزف حواسنا في إدراكه وفي النهاية (نركنه) فأصبحت عقولنا معطلة، مجرد علم دون عمل، وكل ما حولنا يثير اهتمامنا وكل ما يثير اهتمامنا هو رسالة لنا، ونحن نهمش ونسترسل مع الأحداث، وننصاغ خلف كل خبر وخبرة، فجعلنا من تفكيرنا بهو استقبال همه أن تكون الغرف شاغرة بغض النظر عن ساكنيه وأعدادهم تماماً كما نستقبل كل المعارف والنظريات فتراكمت المعلومات وتزاحمت المعارف، فأصبح البعض مرجعاً وموسوعة، وسنح لأن يكون عقله محنط كالمومياء. ربما لإشباع غريزة التملك لمجرد تملك، كاستعباد العبيد وتقييدهم بالسلاسل، وكأنه إذا انفك قيده هرب وظل، بينما هو في الحقيقة إن تحرر من قيوده نضج ونفع. لماذا نجعل عقولنا مومياء محنطة ؟ لماذا نجعل عقولنا عبيد مقيدة؟ لماذا نجعل عقولنا مستودعاً للمعلبات حتى تنتهي صلاحيتها ونتخلص منها؟ خذ مثالاً بسيطاً لو اشتريت إبرة أو عجلة ولم تستخدمها إطلاقاً هل يعني أنك استثمرتها وحققت فائدة منها؟ فلنتفكر قليلا ونسمح لمظلة العقل أن تفتح ونتساءل: كيف سيكون شكل المصنوعات في العالم بلا إبرة؟ وكيف ستكون كل المواصلات بلا عجلة؟ كيف ستكون الحياة إن استمر الغرس دون جني محصول؟ ما الفائدة.. مما نخاف إن أطلقنا العقل ليسبح في ملكوت الكون؟ إن وميض الفكر نور يهدي إلى الله، وبالتالي يكسو سلوكنا النور، وإلا فلنتوقف عن دعوة (اللهم اجعل في عقلي نوراً). أخي القارئ احذر فعقلك ستنتهي صلاحيته إن لم يخضع لديناميكية التفكر وتمارين التأمل..