الفرد هو العنصر الأساسي في منظومة العمل الإنساني بوجه عام والمؤسسي بوجه خاص وذلك مشروط بقيامه بدوره الأكبر في تعاونه مع مجتمعه الذي يعيش فيه ويتفاعل معه. وقد أثبتت كثير من الدراسات العلمية والتجارب والممارسات أن العمل الفردي الصرف سبب من أسباب التدهور الإداري والفساد المالي والتخلف الحضاري بوجه عام، وأنه لا بديل عن العمل المؤسسي التعاوني الذي يعد شكلا من أشكال التعبير عن التعاون بين العاملين لتطغى فيه الروح الجماعية على الروح الفردية. وكثير من جامعاتنا لا تزال تعمل بمفهوم نظرية الرجل العظيم في القيادة الذي يتسم بمواصفات خاصة تمكنه من قيادة الآخرين وتحقيق أهداف الجامعة وفق منظوره الشخصي حتى وإن غازلت جامعاتنا على استحياء كبير العمل المؤسسي، فإذا ما غادر الرجل العظيم موقعه القيادي ذهبت الجهود الأخرى هباء منثورا لتعود الدائرة من جديد بحجة التطوير والتجديد وتبقى الجامعات رهينة النمط القيادي التقليدي وتفقد قيمة العمل المؤسسي وفاعليته في تحقيق الأهداف. ودونما إقلال بأهمية نظرية الرجل العظيم إلا أن الواقع المعاصر يتطلب الخروج من جلباب هذه النظرية إلى مجالات أرحب في القيادة الإدارية وتبني نظريات أكثر فائدة في قيادة العمل الجامعي على اعتبار أن المؤسسات الجامعية يجب أن تكون رائدة في العمل المؤسسي التعاوني وأنموذج لمؤسسات المجتمع الأخرى في الممارسة القيادية والإدارية. وأكاد أجزم أن فشل كثير من الخطط الاستراتيجية والتنفيذية في الجامعات يعود إلى ارتباط تلك الخطط برموز قيادية وليس عقيدة إدارية قائمة على فلسفة ورؤية تنظيمية جماعية. والحقيقة أن نظام مجلس التعليم العالي والجامعات يساعد كثيراً على تبني العمل المؤسسي وتنفيذه على أرض الواقع بما يوفره النظام من توزيع مثالي للسلطة ومرونة وحرية كبيرة في ممارسة الأنشطة والأعمال الجامعية المختلفة. وأعتقد أن التحول نحو ثقافة العمل المؤسسي بشكل كامل في الجامعات يتطلب اقتناع القيادات الأكاديمية الجامعية بأهميته ودوره في تحقيق أهداف الجامعات التعليمية والبحثية والاجتماعية وإعادة النظر في برامج تطوير القادة لتكون أكثر فاعلية من خلال تركيزها على الأساليب القيادية والإدارية الحديثة وعرض التجارب الفردية المميزة وتبني مشروع صناعة ورعاية قادة المستقبل وفق آلية دقيقة واعتبار العمل المؤسسي قيمة يجب أن تتبناها الجامعات قولاً وفعلاً إذا ما أرادت النجاح وامتلاك القدرة على المنافسة والتميز والإبداع لاتسامه بتحقيق التكامل والاستقرار النسبي وتوظيف الطاقات واستثمار الموارد وإلغاء التفرد والاهتمام بصناعة القيادات البديلة وتدريبها. رابط الخبر بصحيفة الوئام: الجامعات بين الفردية والمؤسسية