اصدرت مؤسسة "اليوم السابع" مؤخرًا كتابًا على قدر كبير من الأهمية هو كتاب "الصندوق الأسود عمر سليمان" للكاتب الصحفي مصطفى بكري يحتوي على أكثر من 300 صفحة تتناول أسرارًا هامة نقلها الكاتب عن اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات العامة السابق، وتفاصيل ما جرى فى مصر قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير. ويتناول الكتاب أسرار ووقائع ما جرى من خلافات بين عمر سليمان والرئيس مبارك ونجله جمال والسيدة سوزان مبارك وأحمد عز، حيث كان يحذر من أن البلاد مقبلة على تطورات خطيرة، وأن الإصلاح ضرورى لمواجهة المؤامرة التى حاكها الأمريكان مع جماعة الإخوان لإسقاط الدولة المصرية. ويعد الكتاب بمثابة شهادة هامة ووثيقة تكشف الكثير من أسرار هذه المرحلة التى عاشتها مصر. وفى الفصل الختامي للكتاب والذي يحمل عنوان "الموت المفاجئ" يتناول مؤلفه الكاتب الصحفي مصطفى بكري مسيرة اللواء عمر سليمان مع المرض وصولاً إلى الوفاة. حيث يحقق الكاتب ويستمع إلى شهادات من طبيبه الخاص، ومدير مستشفى وادى النيل، وابنتيه رانيا وداليا اللتين رافقتاه فى رحلات العلاج إلى الإماراتوألمانياوالولاياتالمتحدة، وأيضًا إلى بعض من تابعوا حالته فى مستشفى الشيخ زايد العسكرى وإلى بعض أصدقائه. ويكشف المؤلف عن حقائق ما جرى، ويطرح الخيارات المختلفة حول أسباب الوفاة، وحقائق ما تردد عنها فى هذه الفترة. "المصري اليوم" تنشر عرضًا للفصل الأخير من هذا الكتاب الهام الذى يزيد عدد صفحاته على أكثر من ثلاثمائة صفحة والذى أهداه مؤلفه إلى "روح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذى أحب مصر، فأحبه المصريون". ويقول المؤلف في هذا الفصل "إن مرض عمر سليمان بالقلب كان مفاجئًا، وأنه قد شعر للمرة الأولى بهذا المرض فى يونيو 2011، وهو ما استدعى من طبيبه الخاص د.حازم عبدالرحمن القيام على الفور بإجراء عملية "قسطرة" فى القلب له، إلا أنه اطمأن بعد إجراء العملية إلى أن عضلة القلب والشرايين فى أحسن الأحوال.. غير أنه لاحظ بعد ذلك أن اللواء عمر سليمان بدأ يفقد الكثير من وزنه بدءا من نوفمبر 2011، وكذلك بدأ يفقد رغبته فى تناول الطعام!! كانت التوقعات في هذا الوقت تشير إلى احتمال أن يكون الأمر عاديًا، وأن مرد ذلك إلى وعكة برد ألمت به فى هذا الوقت، وقيل إن ذلك بسبب وجود ماء على الرئة. غير أنه وبعد أيام قليلة كان عمر سليمان قد أصيب ب"شرقة" والتى لم يعرف لها سبب فى هذا الوقت، فنصحه طبيبه الخاص بالسفر إلى ألمانيا بعد أن شعر بتدهور فى حالته الصحية. بعد استبعاده من الانتخابات الرئاسية تدهورت الحالة المعنوية والنفسية لعمر سليمان، وكان يدرك أن الخطر قادم بلا جدال، وربما كان ذلك هو ما دفعه إلى الترشح للانتخابات الرئاسية. كان عمر سليمان يدرك أن الإخوان إذا ما تسلموا السلطة فى البلاد، فإن الأوضاع سوف تزداد تدهورًا والبلاد سوف تدخل إلى نفق خطير، كان يعرف أن مصر ستمضي حتمًا إلى طريق مسدود قد يدفع إلى حرب أهلية لا تبقى ولا تذر. وكان عمر سليمان يقول لمؤلف الكتاب "الكاتب الصحفي مصطفى بكري" فى حواراته التى أجراها معه عام 2011 وحتى قبل الرحيل بقليل "إن الإخوان قادمون، وأن الأمريكان يدعمون وصولهم إلى السلطة، وأن مصر سوف تشهد أيامًا حاسمة، إن لم يجر التصدى لهذا التيار". لقد كان من رأى عمر سليمان أن المؤامرة التى بدأت منذ عام 2004 بين الإخوان والأمريكان بهدف إسقاط الدولة المصرية ووصول الإخوان إلى السلطة لن تتوقف إلا بإجراء إصلاحات حاسمة تقطع الطريق أمام وصولهم للسلطة واستغلالهم لمعاناة الناس وسخطهم على الأوضاع فى البلاد. وفى18 ديسمبر 2010 وتحديدًا بعد انتخابات البرلمان التى شابها التزوير، حكى عمر سليمان للواء حسين مميش فى لقاء معه عن أبعاد هذه المؤامرة وقال له: "لقد طلبت من مبارك القيام بإصلاحات جذرية يعقبها ضربة استباقية للقيادات الفاعلة لجماعة الإخوان، حتى لا تستغل دعوة الشباب للتظاهر فى25 يناير 2011، إلا أن مبارك استهان بالأمر، وقال "إن 25 يناير ستمر، كما مر غيرها من الأحداث". وإذا كان المؤلف يرصد فى فصول كتابه الهام العديد من الحقائق والتفاصيل الدقيقة حول المؤامرة الإخوانية الأمريكية لإسقاط مصر، فإنه يعتبر أن الشواهد التى أدركها عمر سليمان بعد قرار الإخوان بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، سوف تكون فصلاً مكملاً وأخيرًا فى هذه المؤامرة، ولذلك قرر عمر سليمان الترشح وأعلن قراره قبيل يومين فى السادس من إبريل 2012، أي قبيل يومين من إغلاق باب الترشح فى يوم الأحد 8 إبريل. بعد قرار استبعاده، بسبب وجود نقص فى توكيلات محافظة أسيوط بلغ (13) توكيلاً، أدرك عمر سليمان أن الخطر أصبح قاب قوسين أو أدنى، كتم غيظه، ورفض التصعيد فى مواجهة اللجنة العليا للانتخابات، وابتعد عن المشهد نهائيًا. فى هذا الوقت بدأ المرض يحاصر عمر سليمان، فقد كان يجد صعوبة شديدة فى ابتلاع الطعام وكان لا يستطيع سوى شرب أكواب من العصائر تساعده على الحياة، ولهذا بدأ يتردد مجددًا على مستشفى وادى النيل التابع للمخابرات العامة، وعندما عرض نفسه على طبيب أجنبي كان يزور المستشفى فى هذا الوقت، اكتشف الطبيب زيادة نسبة تجمع المياه على الرئة أكثر من أى وقت مضى، وكان يتوقع أن يكون لهذه التداعيات آثار خطيرة على صحته العامة. ويقول المؤلف "في هذا الوقت سافر عمر سليمان إلى ألمانيا مجددًا استجابة لنصيحة الطبيب الأجنبي، وكان عمر سليمان يريد أن يعرف أسباب "الشرقة" التى تزايدت حدتها فى هذا الوقت". وقد سافر معه الدكتور علاء العزازى طبيبه الخاص، وهناك اكتشف أن عمر سليمان مصاب بضعف شديد فى عضلة القلب، كما أن نسبة المياه على الرئة زادت بشكل ملحوظ. وساعتها يقول المؤلف "اتصل د.علاء العزازى بالدكتور حازم عبدالمحسن طبيبه الخاص فى القاهرة، وأبلغه بنتيجة الفحوصات وكانت النتيجة تقول إن الضعف فى عضلة القلب وصل إلى نسبة كبيرة، وإن القلب يعمل فقط بنسبة 40٪ من كفاءة عضلة القلب". فى هذا الوقت أبدى د.حازم عبدالمحسن دهشته، وقال إن آخر كشف طبي أجرى على اللواء عمر سليمان أكد أن نسبة كفاءة عضلة القلب لا تقل عن 60٪، وقال يبدو أن الطبيب الألمانى قد أخطأ التقدير. كان عمر سليمان قد وصل إلى ألمانيا فى 24 مايو 2012 وكانت عملية الفحص قد بدأت يوم الخميس، وفى اليوم التالي "الجمعة" جرى إجراء عملية مسح على الجسم لاكتشاف ما إذا كانت هناك أورام أم لا؟! فى هذا الوقت كان عمر سليمان يعاني من ضيق فى التنفس، وقرر د.علاء العزازى التوجه معه على الفور إلى المستشفى، استبق علاء العزازى وجاء بتاكسى لنقل اللواء عمر سليمان إلى المستشفى، كان نبضه ضعيفًا، ولونه بدأ يتغير، وعندما وصل إلى المستشفى كان عمر سليمان يشعر بأن قلبه يكاد يتوقف. تم احتجاز عمر سليمان فى المستشفى الألمانى لمدة أسبوع تقريبًا، لم يزره خلالها سوى سفير الإمارات فى ألمانيا بتعليمات من الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن زايد، كما أن الشيخ محمد بن راشد أرسل مبعوثًا خاصًا إلى المستشفى للاطمئنان على حالة اللواء عمر سليمان. كانت التقارير الطبية فى هذا الوقت تشير إلى احتمال إصابة اللواء عمر سليمان بفشل فى القلب، وفى يومين اثنين فقط كان عمر سليمان قد فقد نحو ثمانية كيلو جرامات من وزنه، وأصدر الطبيب المعالج تقريرًا يشخص المرض الذى يعاني منه عمر سليمان وسماه ب"وهن العضلات" الخاصة بالبلع إضافة إلى الأعراض الأخرى. كان اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة فى هذا الوقت يتابع حالة اللواء عمر سليمان أولاً بأول وقد تحمل جهاز المخابرات العامة التكلفة كاملة حينها. ومع تزايد حدة المرض وصل الدكتور حازم عبدالمحسن إلى ألمانيا لمتابعة حالة نائب رئيس الجمهورية الأسبق جنبًا إلى جنب مع د.علاء العزازى. وبعد أن استمع د.حازم عبدالمحسن إلى تقرير من الأطباء الألمان عن حالة اللواء عمر سليمان أدرك أن الحالة ليست هينة، خاصة بعد أن طلب الأطباء الألمان ضرورة عودة اللواء عمر سليمان إلى المستشفى مرة أخرى خلال ثلاثة أشهر. وفى الثالث من يونيو 2012 عاد عمر سليمان إلى القاهرة، حيث قرر البقاء فيها لمدة 6 أيام، وبعدها يعاود السفر إلى أبوظبى ومعه حفيده. عندما وصل عمر سليمان إلى مطار القاهرة كان في انتظاره اللواء حسين كمال مدير مكتبه، وقد أبلغه برسالة من الفريق شفيق حول توقعاته للانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية والمقررة في 16 و17 يونيو. كان اللواء عمر سليمان غير متفائل بالانتخابات الرئاسية وكان يريد أن يبعد عن أجوائها، ولذلك أبلغ اللواء حسين كمال بأنه سوف يسافر إلى الإمارات، لأنه يريد الابتعاد عن أجواء التوتر الانتخابية. غادر عمر سليمان ومعه حفيده زياد نجل المهندس عبدالحميد أحمد حمدى وزوجته رانيا عمر سليمان فى التاسع من يونيو 2012، وبعد أيام قليلة لحقت به زوجته وابنتاه داليا ورانيا وزوج كريمته داليا المهندس فرج أباظة، والأحفاد، حيث وصلوا جميعًا إلى الإمارات فى21 يونيو 2012. وتقول داليا عمر سليمان فى المقابلة "عندما سألنى والدى عن الوضع فى مصر بعد وصولنا إلى دولة الإمارات وأخبار الانتخابات الرئاسية"، قلت له "لقد سمعت من شخصيات مهمة وقريبة من اللجنة العليا للانتخابات أن أحمد شفيق هو الفائز فى هذه الانتخابات"، وأضافت فى حديثها "لقد فوجئت بأن والدى يقول لى "إن محمد مرسى هو اللى حيكسب والنتيجة حتتغير". قالت داليا لقد صدمت من هذا الكلام، أما رانيا كريمة عمر سليمان وزوجة المهندس عبدالحميد أحمد حمدى فهى تقول فى مقابلة مع مؤلف الكتاب مصطفى بكرى "إن والدى كان يقرأ الواقع بطريقة صحيحة جدًا، وكان يعرف أن الخطر قادم على مصر"، وتضيف القول «عندما سمعت بالنتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية ونجاح مرشح الإخوان محمد مرسى ووصوله إلى الحكم، بكينا جميعًا، وخفنا على مصر وعلى شعبها، وكان والدى حزينًا للغاية ودخل إلى مستشفى الشيخ زايد العسكرى فى اليوم التالى 25 يونيو، بعد أن حدث تدهور كبير فى صحته بعد سماعه خبر فوز محمد مرسى برئاسة الجمهورية. وتقول رانيا "إن والدها ظل فى المستشفى من 25 يونيو حتى الثانى من يوليو، وهو اليوم الذى كان يوافق عيد ميلاده، حيث تم إخضاعه لفحص دقيق، وتم أخذ عينات من دمه وإرسالها إلى ألمانيا للفحص والتحليل". فى هذا الوقت غادر عمر سليمان مستشفى الشيخ زايد، حيث ذهب للإقامة مع أفراد أسرته فى فندق "الفيرمونت" ب"أبو ظبى". كانت الأجواء صعبة، وكان عمر سليمان قد أصيب بحالة من الحزن الشديد، فقد كانت الصورة تبدو واضحة أمامه، وكان يعرف تمامًا كيف نجح محمد مرسي، وكيف ستكون عليه الأوضاع فى مصر، غير أنه وكما تقول داليا لم يفقد الأمل ولو قيد لحظة حيث كان يقول لهم فى هذا الوقت "الذين انتخبوا الإخوان، هم الذين سيُسقطونهم". كانت لديه ثقة كبيرة فى أن الإخوان لن يستطيعوا الاستمرار فى الحكم، كان يعرف أنهم لا يمتلكون برنامجًا ولا رؤية للمستقبل، ولذلك توقع فشلهم وصدامهم مع الجماهير. وفى هذا الوقت سافر إليه صديقه المقرب "اللواء عبدالحميد محمد عبدالحميد" إلى أبوظبى والتقاه فى مقر إقامته فى فندق «الفيرمونت»، حيث فوجئ بفقدان عمر سليمان الكثير من وزنه ولم يستطع عمر سليمان أن يقف على قدميه للسلام عليه. كان عمر سليمان وقبيل أن يسافر إلى الإمارات قد اضطر أن يبدل أكثر من طاقم من البدل التى اشتراها من أحد محال الملابس بالتجمع الخام بسبب تراجع وزنه كثيرًا بين يوم وآخر. قال عمر سليمان لصديقه اللواء عبدالحميد محمد عبدالحميد "أحكى لك ماذا حدث فى الانتخابات الرئاسية، لقد كنت أعرف أن أحمد شفيق فاز بنسبة %50.7، فماذا حدث، ولماذا أُسقط، ولمصلحة من"؟! وقال له: "لقد كان أحمد شفيق عندى بالأمس وكان فى غاية القلق والألم على مصر"، حاول اللواء عبدالحميد أن يهدئ من انفعال اللواء عمر سليمان خوفًا على صحته، إلا أن عمر سليمان قال له: "كيف أهدأ ومصر دخلت مرحلة الخطر، ربنا يستر"!! ثم قال له: "أنا مسافر بكرة ألمانيا، وقد أبلغونى فى مستشفى الشيخ زايد أن أمرّ عليهم قبل ذهابى للمطار ليقولوا لى إذا كان مسموحًا لى بالسفر أم لا، خوفًا على صحتى". سافر اللواء عبدالحميد وعاد إلى القاهرة، وفى اليوم التالى ذهب عمر سليمان إلى مستشفى الشيخ زايد العسكرى، حيث أبلغوه بأنه لا مانع من السفر إلى ألمانيا، وقالوا له: «عندما تصل نتيجة التحليل، سنبلغك بها". ويقول مصطفى بكرى فى كتابه:"كان هناك صراع بين داليا ورانيا كريمتى عمر سليمان، من يسافر مع والدهما، فاتفقتا على إجراء القرعة، فسافرت داليا مع والدها بينما بقيت رانيا لرعاية الأبناء". سافر عمر سليمان على الطائرة الإماراتية المتجهة إلى ألمانيا، وعندما وصل هو وكريمته إلى المطار لم يجد أحدًا فى استقبالهما، ثم جاء إليه الدكتور حازم عبدالمحسن طبيبه الخاص، والذى أمضى ليلته معهما فى الفندق، وفى اليوم التالى اصطحبه وذهب معه إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات. ويقول المؤلف فى كتابه: "إن الطبيب الألمانى المعالج كان يدرك خطورة الحالة الصحية للنائب عمر سليمان وأبلغه أنه سيجرى له عملية فى القلب، ولكن بعد أن تستقر حالته الصحية"، وقد حدد له منتصف شهر سبتمبر موعدًا لإجراء العملية الجراحية وكان التشخيص فى هذه المرة "ضعفًا فى عضلة القلب". كان الكل محتارًا فى أسباب هذا التدهور السريع، إلا أن اللواء عبدالحميد سأل أطباء بمستشفى الشيخ زايد العسكرى فى هذا الوقت عن الأسباب التى تقف وراء ذلك فقالوا له: "ربما يكون اللواء عمر سليمان قد تعرض لإشعاعات قوية خلال فترة علاجه فى ألمانيا أثرت على جهاز المناعة لديه". بدأ الشك يراود اللواء عبدالحميد، خاصة أن عمر سليمان كان قد هدد الإخوان قبيل أن يسافر إلى ألمانيا بعدة أسابيع عندما قال "إنه سيرفع العمامة من على رأس مصر، وإنه هو الصندوق الأسود الذى يستطيع كشف جماعة الإخوان". بعد أن أنهى عمر سليمان إجراء الفحوصات فى ألمانيا، قرر السفر إلى لندن مع كريمته داليا، وفى مطار ميونيخ اضطر أن يمكث أربع ساعات بسبب تأخر الطائرة التى كانت ستقله إلى مطار "هيثرو" فى العاصمة البريطانية، شعرت داليا بالإرهاق الشديد على وجه والدها، طلبت منه العودة إلى الفندق، إلا أنه رفض وصمم على انتظار الطائرة لحين إقلاعها. وفى مطار "هيثرو" كانت كريمته "عبير" زوجة السفير أيمن القفاص فى انتظاره، حيث كانت تعيش هناك مع زوجها منذ عدة سنوات. وفى لندن صمم عمر سليمان على أن ينزل فى فندق "كلارج" ورفض الإقامة مع كريمته فى منزلها، كان يتجول فى شوارع لندن ويذهب إلى الأسواق مع كريمتيه، وعندما أصيب بإرهاق شديد تم إدخاله إلى مستشفى لندن، حيث أجرى تحليلاً فجاءت النتيجة غير مطمئنة. وعندما حاول الأطباء احتجازه فى المستشفى رفض بكل قوة وصمم على الخروج من المستشفى، وفى هذا الوقت سعت كريمته داليا إلى إقناعه بالسفر إلى الولاياتالمتحدة لدخول مستشفى كليفلاند. كان طبيبه الخاص علاء العزازى قلقًا من تأثير الرحلة الطويلة إلى الولاياتالمتحدة على صحة عمر سليمان، تخوف من أن يتعرض لأزمة قلبية. وعندما أبلغت داليا والدها بمخاوف طبيبه الخاص قال لها: أنا عمرى ما أذيت أحد فى حياتى، وأنا حسافر مهما كان الأمر، وأثق أننى سأموت على سريرى كما مات شقيقى جمال أو حموت شهيد، خليها على الله، قولى له أنا مسافر أمريكا خلاص يوم 15 يوليو. كانت رانيا كريمة اللواء عمر سليمان قد وصلت إلى لندن فى هذا الوقت، وقد رافقت والدها مع شقيقتها داليا إلى الولاياتالمتحدة، بينما كان السفير أيمن القفاص زوج عبير وراجى سليمان ابن شقيق اللواء عمر سليمان ينتظران فى الولاياتالمتحدة. وعندما وصل عمر سليمان وكريمته ظهر الأحد 15 يوليو، قضى عمر سليمان ليلته فى اليوم الأول فى الفندق الملحق بمستشفى كليفلاند، استعدادًا لإجراء الفحوصات فى اليوم التالى. ويقول المؤلف إن كريمتيه داليا ورانيا أقامتا فى هذا الفندق لمتابعة حالة والدهما، لمتابعة حالته الصحية وإجراء عملية التنفس الصناعى له حال تعرضه لضيق فى التنفس. ويقول الكاتب "إن عمر سليمان دخل إلى المستشفى فى يوم الاثنين 16 يوليو، وبدأ رحلة إجراء الفحوص والتحليلات، حيث كان يتولى الإشراف على علاجه اثنان من الأطباء الأمريكان أحدهما من أصل سورى". ويحكى المؤلف تفاصيل الحوار الذى جرى بين الطبيب السورى وبين عمر سليمان استعدادًا للعلاج ومعرفة جذور المرض، وقد فوجئ بأنه معنى بعلاج نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات العامة السابق فى مصر. وعندما جاء إليه الدكتور "راندال ستارينج"، طبيب القلب الشهير فى الولاياتالمتحدة، فوجئ بالتدهور الحاد فى صحة اللواء عمر سليمان. ويتناول الكاتب تفاصيل العلاقة التى جرت بين المسؤول الإدارى للمستشفى ويدعى "بشاى" وهو من أصل مصرى ووالده يدعى «بيشوى»، وهو راعى كنيسة فى المنطقة ذاتها. لقد حكى له عمر سليمان عن ذكرياته فى حرب عام 67، وكان يتذكر ويحكى له أجمل أيام حياته فى الخدمة العسكرية منذ أن كان شابًا صغيرًا. فى هذا الوقت كانت نتيجة عينة التحليل التى أجريت فى ألمانيا قد وصلت إلى مستشفى الشيخ زايد العسكرى وقد تلقى عمر سليمان الأمر بهدوء، حيث اقترح د.علاء العزازى بعد أن علم بالنتيجة ضرورة إجراء عملية زرع قلب، فقالوا له إن الأمر سيكون صعبًا، فتم اللجوء إلى واحد من أكبر أطباء القلب فى العالم وأبلغهم بنفس الرأى. ويروى الكاتب تفاصيل الساعات الأخيرة لعمر سليمان قبل الوفاة حيث ينقل عن كريمته رانيا أنه فى يوم الأربعاء 18 يوليو ذهبت داليا ورانيا إلى غرفة والدهما بالمستشفى وكان معهما أيمن القفاص وراجى سليمان، وظلوا معه حتى الثانية عشرة مساء، مع أن الزيارة اليومية كانت محددة من 6-9 مساء. وفى هذا اليوم كانت الحالة المعنوية لعمر سليمان مرتفعة للغاية، فاتصل بزوج كريمته المهندس عبدالحميد أحمد حمدى وأوصاه بمائدة الرحمن السنوية التى تعود عمر سليمان أن يقيمها للفقراء، وطلب منه زيادتها فى هذا العام، كما اتصل بمدير مكتبه اللواء حسين كمال وطلب منه الاستعداد لفتح شاليه المصيف الخاص به فى الإسكندرية، حيث سيعود للقاهرة قريبًا وهو فى حاجة للاستجمام. كان عمر سليمان فى هذا المساء يداعب كريمتيه ويتذكر معهما فترات تاريخية مضت فى حياتهما وبعد انتهاء الحديث، ودعوه وغادروا الغرفة على أمل العودة فى اليوم التالى، إلا أنه وفى الثانية صباحًا كان الباب يطرق بشدة، وكان السفير أيمن القفاص يطلب منهما الإسراع للحضور إلى الوالد الذى كان فى حالة يرثى لها. ويقول المؤلف فى كتابه "إن الأسرة ذهبت جميعًا إلى المستشفى وهناك كان المشهد الأليم، الجسد يحتضر، الأطباء يسابقون الزمن يقومون بإجراء صدمات كهربائية لعضلة القلب، استمرت الصدمات لأكثر من ثلث الساعة، بزيادة عشر دقائق عن المعدل الطبيعى، كان القلق يسود الجميع، إلا أن عمر سليمان كان قد أسلم الروح إلى بارئها، بكى الجميع، بينما راح السفير أيمن القفاص يجرى الاتصالات بالجهات المسؤولة فى القاهرة لبحث إجراءات نقل الجثمان". لم يحرك ذلك ساكنًا لدى محمد مرسى، الذى كان يتولى حكم البلاد فى هذا الوقت، بدأ جهاز المخابرات العامة، بقيادة اللواء مراد موافى، يعد العدة لنقل الجثمان وتأجير طائرة خاصة، وأجرى اتصالات بالمشير طنطاوى، جرى التفكير فى البداية فى إرسال طائرة عسكرية، إلا أن القيادة العسكرية وجدت أن الوقت سيكون طويلاً، وأن الرحلة ذهابًا وإيابًا قد تستغرق وقتًا، فى هذا الوقت تدخل الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس الوزراء وجرى التنسيق بينه وبين اللواء مراد موافى، واتفق معه على تكليف طائرة إماراتية خاصة كانت بالمصادفة فى الولاياتالمتحدة، حيث قال «لا يجب نقل جثمان عمر سليمان إلا فى طائرة رئاسية خاصة». كان التقرير النهائى يقول إن عمر سليمان يحمل جواز سفر رقم 21011 صادر فى 4 يونيو 2009 وأن بطاقة دخوله إلى الولاياتالمتحدة حملت رقم 8373245 بتاريخ 15 يوليو 2012 ودخل إلى المستشفى فى 16 يوليو برقم 70834723 وكان الطبيب المسؤول عن علاجه هو الدكتور "راندال سى ستارينج". وقد تضمن تقرير الوفاة المقدم من المستشفى أن السيد عمر سليمان تم اكتشاف إصابته بمرض "إميلويدوزيسى". ويتناول المؤلف فى كتابه العديد من الروايات التى ترددت حول مقتل عمر سليمان فى عملية إرهابية فى سوريا، داخل مبنى الأمن القومى السورى، ثم القيام بنقل جثمانه إلى الولاياتالمتحدة، وهنا يفند الكاتب هذه الادعاءات الساذجة، كما يرد على رواية أنه تم اختفاؤه خوفًا من بطش الإخوان ويتساءل: لقد سقط الإخوان فلماذا لم يظهر عمر سليمان؟ ويطرح المؤلف سؤالاً أساسيًا، هل مات عمر سليمان موتًا طبيعيًا، أم أنه قتل على يد جهة مجهولة؟ وفى هذا لم يحسم المؤلف الإجابة بشكل واضح، لكنه طرح جميع الخيارات، ومن بينها أن أحدًا ربما يكون قد أعطاه دواءً خاطئًا لعلاج القلب، فيهبط الضغط وتحدث ارتباكات قد تؤدى إلى الوفاة، خاصة أن مرض "إميلويدوزيسى" لا يؤدى إلى الوفاة سريعًا. وهكذا يظل "موت" عمر سليمان سرًا غامضًا حتى الآن، فهل يكشف التاريخ عن حقائق جديدة؟. رابط الخبر بصحيفة الوئام: «الصندوق الأسود» كتاب يكشف سرّ «الموت المفاجئ» لعمر سليمان