من الأرض التي حماها إلى الأرض التي حمته، ومن الدنيا التي عاشها بالحق إلى عالم الحق، ومن مشعل النار الذي رفعه ضد الظلمات إلى مشاعل النور في رحاب العلي القدير… عبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المسافة الفاصلة بين الدارين، يكفنه تاريخه المضيء وذكراه العطرة ومواقفه المشرفة. الرجل الذي كان جبلاً عصياًعلى عواصف السياسة… أمره القدر أن يستريح وهو الذي أمر نفسه وجميع مسؤولي المملكة أن لا يعرفوا طعم الراحة ما دام هناك مواطن يحتاج ويسأل ويتطلع إلى التغيير. التصق بالأرض وترابها وناسها واعتبر قلوب جميع السعوديين -لا القصر- مقر مملكته. منذ البدايات، كانت رياح السياسة في جهة… وكانت همومه في جهة أخرى. ينصب خيمته هنا وهناك ويفتح مجالس الحوار المباشر مع الناس في الصحارى والمدن والقرى. يستمع إليهم بإنصات ويتسع صدره لكل ملاحظة. يجول بنفسه على المشاريع ويتلمس عن قرب مدى فاعليتها ومكامن التقصير والإنجاز، ثم يعود إلى إخوانه حاملاً خلاصة التجربة ومعتبراً محبة الناس درع المملكة الحقيقية لمواجهة رياح السياسة. وعندما تولى ولاية العهد على أيام المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز فتح قلبه قبل قصره للناس. وما زلت أذكر شكواه لوفد إعلامي كويتي زاره للشكر بعد التحرير (وكان في استراحة قرب الرياض) من أن الحرس يحاول دائما أن يمنعه من الاختلاط بالناس على سجيته وفي كل الأوقات، وأنه تضايق مرة من عدم إدخال جميع المواطنين الذين يريدون إما السلام عليه، وإما تقديم مطالب بحجة إجراءات الأمن والتفتيش فوقف مندفعا للخروج إليهم، وعندما حاول بعض أبنائه وكبار مرافقيه أن يشرحوا له خطورة الاختلاط بالآلاف دفعة واحدة، حمل سيفا ووضع يده على الطاولة وحذرهم: «إما أن تتركوني أخرج الآن وإما أن أضرب يدي»! فأفسحوا له الطريق. رجل يشهر محبته للناس وسيفه على نفسه، أو على من يحاول إبعاده عن الناس، هو الرجل الذي استحق عن جدارة قيادة حكم المملكة وخدمة الحرمين الشريفين. ومن لا يعرف عبد الله بن عبد العزيز؟ من لا يعرف النخوة والشهامة والصدق والعدل والإقدام والشجاعة؟ ملك لا يهادن في الحق ولا يتراجع عن موقف صحيح مهما كان الثمن. هكذا فعل مع إخوانه في نصرة أشقائه الكويتيين، وهكذا فعل في قيادة سفينة الإصلاحات الداخلية وتطوير النظام السياسي وزيادة المشاركة الشعبية في الحكم وإعطاء المرأة حقوقها، وهكذا فعل في محاسبة كل مقصر من أبناء النظام والإدارة عند الأزمات، وهكذا فعل في مكافحة الإرهاب والفئات الضالة، وهكذا فعل في دعم حقوق الشعوب المقهورة فكان أول صوت يرتفع ضد الظلم والقمع، وهكذا فعل في دعم الاستقرار في الدول التي اهتز استقرارها، وهكذا فعل في تقديم المصالح العامة على الخاصة لإنجاح مساعي المصالحات الخليجية والعربية، وهكذا فعل في قول كلمة الحق للصديق الأميركي والحليف الأوروبي وفي انتقاده الشديد لمواقفهما من أزمات كثيرة هزت العالم العربي. وهكذا فعل في ترتيب بيت الحكم قبل مغادرته ومغادرة دار الفناء. عبد الله بن عبد العزيز سيف لن يُغمد وإن قال القدر كلمته. سيحمله أشقاؤه وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رفيق الدرب والمسيرة والمسار والمصير، وولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي طالما كان العين الساهرة على استقرار المملكة، وولي ولي عهده الأمير محمد بن نايف درع أمن المملكة المتقد ذكاءً وخبرةً. سيف لن يُغمد لأن السيف سيرة… وسيرتك يا خادم الحرمين تكتب بالفخر والشهامة والشرف. تكتب بنبض الإيمان الذي ما تركته لحظة، وتكتب بعبق التاريخ الذي لن يتركك لحظة، وتكتب بعطر الذكرى التي لن تنساك لحظة. رحمك الله وإلى جنات الخلد يا أبا متعب. منقول منصحيفة الراي رابط الخبر بصحيفة الوئام: سيف لن يُغمَد