تجدونه في كل مكان تقريبا، إنه موجود بأوصاف وأدوار متعددة يقوم بها، ولو غاب لارتبك الحال من دونه. بل إنه وباستمرار يحمل مفاتيح المكان الذي نوجد به! في البيت هو السائق والخادم والمزارع والمسؤول عن طلبات كثير من الأسر. في العمل هو زميلنا صاحب الخبرة الطويلة في مجال عمله، وقد لا يكون متميزا بالضرورة؛ لكنه من كثرة الأعمال الموكلة إليه أصبح يفهم في أمور العمل ويتقنها أكثر من صاحب العمل الخاص، أو زملائه في العمل الحكومي. العنوان الذي يندرج تحته كل ذلك هو الاتكالية المطلقة! فهناك من أوكلوا شؤونهم الخاصة والعامة لهؤلاء «الخبراء» الذين يقومون بأدوار لا حصر لها؛حتى إن بعضهم يعمل مؤذنا أو إماما في حالة الغياب الكثير لكفيله المؤذن أو الإمام الرسمي. ولو انتقلنا إلى السوق؛ فهو صاحب المحل الذي يحدد أسعار البضائع ونظام المحل بلا حسيب ولا رقيب. بينما يتقاسم معه صاحب المحل الحقيقي بعض الغلة نهاية الشهر. ويكتفي صاحبنا بالجلوس الطويل، والسهرات الممتدة في المقاهي والاستراحات، ولسان حاله يقول: من جاءه «الخبير» الرشيد كفاه! وحتى إذا كان لدى صاحب الحلال بعض الأبناء؛ فإنه لا يشجعهم على ارتياد ذلك المحل، وملاحظة عملية البيع والشراء، واكتساب بعض الخبرة التجارية والأخلاق الجيدة، من خلال التعامل مع الناس ولو كان ذلك في العطل القصيرة والطويلة. بل إن هناك أصحاب تجارة، رؤوس أموالهم بالملايين، لكنهم قد لا يعلمون عن إدارتها الشيء الكثير؛ لأن ذلك «الخبير» هو العالم بتفاصيل وخبايا ذلك العمل التجاري، ولديه المفاتيح والأختام، وربما دفتر الشيكات! بينما حضرة المليونير منطلق في حياته طولا وعرضا، وكذلك أشباله البواسل! وفي المنازل نجد خادمتين أو واحدة على الأقل، يصرخ الجميع بوجهها بغضب، طالبا أحدهم جرعة ماء! بينما يتمدد ذلك الشاب أو تلك الفتاة بخمول شديد على الأريكة؛شاكيا من حالة «طفش» مزمن! فما الدافع الذي يجعل الأم تحضر خادمة لمنزلها، بينما لديها الكثير من البنات الشابات اللواتي يقضين ليلهن ونهارهن في اللاشيء؟! ما هذا الترهل الجسدي والأخلاقي، الذي يدفع كل هؤلاء لإسناد أمورهم الشخصية، لأناس جل همهم حفنة من الأوراق النقدية يقبضونها نهاية كل شهر؟! وهنا بالطبع لا بد من استثناء الأحوال الخاصة لبعض الأسر، الذين هم بحاجة لمن يعينهم على بعض شؤونهم. أما أن يصبح داخل كل بيت «خبير وخبيرة» أو أكثر فإنه بؤس في تفكير سكان ذلك المنزل، وبؤس كذلك في طريقة معيشتهم. مع ما قد يصاحب التعامل معهم من قسوة وسوء أخلاق، قد تدفعهم للانتقام من صاحب العمل، أو ربة المنزل أو أحد أطفالها. ختاما أقول: لو حاول الناس استرداد حياتهم التي سلموها لهؤلاء «الخبراء الغرباء» فإنهم سيجدون متعة حقيقية في العمل، وسعادة كبيرة في مباشرة أمورهم بأنفسهم، وسيعلمون عن أمور كثيرة كانت تخفى عليهم، فيما مضى من سنين حياتهم!
يوسف بخيت
رابط الخبر بصحيفة الوئام: يوسف بخيت يكتب :الخبير «الأجنبي»! #مقالات