مدينة الشعر والورد والعنب، عاصمة المصايف العربية ، دلوعة الغيم وعروس السروات، وسوق عكاظ وملتقى الشعر الخليجي، بوابة مكةالشرقية التي يستريح فيها قاصدو بيت الله، حباها الله طبيعة ساحرة حتى صارت قبلة المصطافين من الوطن و الخليج كل عام، وكيلا أُتهم بعشقها وحدي لن أسهب أكثر في وصف ميزات ومفاتن هذه الغانية، التي رزقتُ حبها، وابتليت وهي صابرة محتسبة لا تملك من أمرها إلا دموع الندى على خدود الورد والعناب صباحا، وأنفاس العبير وملكات الليل عند الهجوع. عندما تدخلها من طريق الرياض أو من طريق الجنوب تشعر باختناقها من التحويلات الضيقة الملتوية العمياء غير المستوية، حتى أنك لتكاد تحلف بالله عشرا أن المقاول تصدّق بها على المارة كيلا يؤاخذه الله بذنب تقصيره في تنفيذ المشروع طويل الكَبَد، فتدخل في الشارع العام المرقّع حتى احدودب ظهره، وغارت حفر الخدمات العامة في بطنه فصارت همّا على قائدي السيارات، تنتزع الآه من أعماقهم مع كل وقوع مدوٍّ في إحداها، وإن تكررت انتزعت لعنة غليظة على المقاول والمهندس الذي أشرف على الطريق. مدينة الورد والعبير يا سادة ترجّلت عن صهوة العطر، بعدما ابتلتها الأمانة بما ينافي طبيعتها، وخرمت رئتها بمشروع الطمر الصحي (مكب ومحرقة النفايات) في نهاية شارع النسيم!! الذي يبتدئ بمبنى الأمانة وحديقة الملك عبدالله الجديدة وينتهي ببوابة المحرقة على مسافة قصيرة. فأي نسيم يهب على الناس من تلك المنطقة التي صارت في رئة الطائف، وصلها الامتداد العمراني للدوائر الحكومية والمواطنين، وافتتح سوق الأثاث القديم " الحراج" عند بوابتها من سنوات، لكن هذا لم يشفع لمدينة العبير فتشفق عليها الأمانة وتستأصل هذا الوباء القاتل من رئتها الزافرة حزنا وألما، فانبرت أقلام الكتاب تمج مدادها عن معاناة أبناء الطائف ومرتاديها، وقد كتبت شخصيا عن هذا الأمر مرتين وهذه الثالثة ولم أتلق أي رد من الأمانة، ربما لأنهم لا يقرؤون، أو لأنهم يعتبرون الكتابة عن شأن عام كهذا هجوما عليهم وكفرا بمنجزاتهم. وبعدما ضاق الناس ذرعا بالسم الذي يستنشقونه؛ أطلق مؤخرا بعض الأهالي والمهتمون بالطائف في تويتر هاشتاق "حريق الطمر الصحي بالطائف" يعبرون فيه عن ضيقهم من هذا الكابوس الذي يعايشه أبناء شرق الطائف من سنوات، وما يسببه من أضرار بيئية وصحية وجمالية. ويستمر صمت الأمانة ولا توقد أملا للناس بأنها تفكر على الأقل في نقل المحرقة لمجرد رسم خارطة أمل زمنية للناس، الذين ضجروا حتى وصل الحال ببعضهم إلى القنوط ومخاطبة منظمة الصحة العالمية، والمحبط أنني تجولت في موقع الأمانة على الإنترنت لعلي أظفر ببارقة أمل تؤكد اهتمام الأمانة، لكن للأسف العميق لم أجد ذكرا لمشروع الطمر الصحي، ولم أجد حتى أيقونة للبحث في الموقع تقودني إلى الأمل المنشود. أتذكر شعار السياحة "الطائف أحلى" مع اقتراب الصيف كل عام، وأتوق إلى أن تتبنى الجهات المشرفة على سياحة الطائف شعار "الطائف أنقى" فقد قزّم حريق الطمر الصحي طموحاتنا، حتى صرنا لا نبحث عن "الحلا" والجمال بقدر ما نبحث عن نقاء الهواء الذي يدخل أجسادنا كل ثانية. الأمر جلل وصحة المواطنين على المحك، فيجب أن تتحرك الإمارة ووزارة الصحة والهيئة العليا للسياحة فورا في تسريع خطى أمانة الطائف تجاه نقل محرقة النفايات إلى خارج المحافظة حفاظا على صحة المواطنين، وعلى الوجه السياحي والجمالي المشرق لعاصمة المصايف العربية، سيما ونحن نعلم قلة الأوكسجين في المرتفعات، ونعايش إغلاق مستشفى الأمراض الصدرية بالسداد لتهالك المباني، وتوجه وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى تدوير النفايات والاستفادة منها في المملكة، فكلها إضافات تحفز الأمانة على كبح جماح وحش التلوث الصحي والبيئي والجمالي وإبعاده عن الناس، والاستفادة من تدويره. رابط الخبر بصحيفة الوئام: أحمد الهلالي يكتب : الطائف مسمومة !!