قبل سنوات قليلة لم تكن قضية فلسطين تقبل القسمة على اثنين مطلقا في ضمير كل عربي مسلم، وفي بلادنا ينظر كثيرون باستهجان إلى محادثات السلام التي تتحرك فيها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، ولا يمكن زعزعة إيماننا أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى. ولا ننسى الحملات الشعبية التي كانت تُنظم على الهواء مباشرة، وحجم الإقبال عليها من كل الطبقات الاجتماعية والفكرية، ولا ننسى لومنا للإرهابيين في توجيه أسلحتهم ضد المسلمين أو المسالمين من العالم، وعدم اقترابهم من العدو الصهيوني، فلو وجهوا أسلحتهم مع المقاومة ضد إسرائيل لاعتبرناهم أبطالا لا إرهابيين. فماذا استجد اليوم؟ كيف تبدل الحال في سنوات قليلة جدا، وانقلب التأييد المطلق للقضية الفلسطينية إلى تأييد معقد ومربوط بعدة شروط، وصار تعريف المقاومة ينضوي تحت نية هذه المقاومة ومحاكمة نيات المقاومين، وتوجهاتهم والجهة التي تحركهم، فهل نعد هذا تطورا في الوعي الاجتماعي الذي لم تعد تنطلي عليه كل الحيل والألاعيب الجهادية باسم الدين والعروبة؟ أم نعده نجاحًا للإعلام الغربي والصهيوني في اختراق الفكر العربي وإقناعه بوجهة النظر الصهيونية، وحق إسرائيل في وجودها على أرض فلسطين المحتلة؟ أم نحن بحاجة إلى تصنيف الجماعات التي من حقها أن تقاوم المحتل، حتى لا تقوى هذه الجماعات وتنقلب ضد مصالح الأمة مستقبلا؟ إن وصف جماعة حماس بالإرهابية من مثقفين سعوديين وعرب، ولومها على مقاومة الاحتلال الصهيوني وإزعاجه، لهو أمر يستدعي التوقف وتقليب الأوراق لمعرفة أسباب هذا التبدل، وأهدافه ومراميه، فليس من السهولة مطلقا أن تتبدل المواقف والرؤى بين عشية وضحاها دون أسباب منطقية تفرضها على الساحة. قبل سنوات ظهر طرحٌ وانتشر بصورة كبيرة، يرى أصحابه أن الدولة الصفوية أشد خطرًا على الأمة من إسرائيل، ثم استمر هذا الطرح في الانتشار والتداول فاستغلته إسرائيل لمصلحتها وهي تلوح كاذبة بنيتها على ضرب مفاعلات طهران النووية لتسوق نفسها، ولتتعاطف معها الشعوب العربية، حتى وصل طرح المشككين أخيرا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين شديدة الخطورة على المجتمعات العربية، وبحسابات خاصة صارت حماس منظمة إرهابية لأنها تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتلقى دعما من طهران، فأصبحت بهاتين الجريرتين منظمة يجب التخلص منها وإقصاؤها عن القضية الفلسطينية والمقاومة، وأن تنضم إلى القاعدين في الضفة الغربية الذين لم يحرزوا تقدما، فإسرائيل دولة احتلال وحرب، وليست دولة سلام أبدا. إذا تأملنا هذا الطرح، فلن نجده يخرج عن عباءةالتفكيكية التي تنتهجها الولاياتالمتحدة وإسرائيل في إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد والمنطقة، فلا عدو للأمة الإسلامية في وقتنا المعاصر أكثر من إسرائيل، التي تحتل أرضًا عربية وتشرد وتنكل بشعب عربي بأكمله تحت مباركة الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة أيضا. إن توجيه عداء الشعوب العربية إلى وجهة أخرى غير إسرائيل لهو أشد خطرا وفتكا بالأمة، لأن نظر الأمة يوجه إلى داخلها، فتكثر الخلافات والتصنيفات، وتلتهب النزاعات وتحتد حتى تنشغل الأمة بتلك الجراح كما انشغلت الطوائف ببعضها وتمزق العراق، وتتمزق سوريا واليمن، وكما تلتهب القبلية في ليبيا، بقي أن تزرع الخلافات بين أبناء الطائفة الواحدة باستغلال التقسيمات والتصنيفات حتى يزيد التفتت وتحتد الفُرقة، وهنا تسود إسرائيل على كل الثرى الفلسطيني، وتبدأ في تحقيق أحلامها بين إخوة متناحرين لا وقت لديهم للالتفات ولا التفكير، ولا قدرة لهم أصلا، وقد أنهككلٌّ منهما الآخر. عندما يكيل مثقف عربي مسلم التهم إلى المقاومة الفلسطينية ويشكك بنياتها، فإنه مصاب بلوثة فكرية حقيقية تجب مداواته منها، أو التحقق من هويته وانتمائه، فلا يعقل أبدا أن نعتبر من يوجه سلاحه إلى المحتل إرهابيًّا، حتى لو استعان بالشيطان، ولو كان هو الشيطان بعينه، فالمحتل عدونا الأول، وبعد رحيل هذا المحتل، يكون لدينا خيار محاسبة ومحاكمة من نشاء، أما ما دام المحتل جاثما بظلاميته على الأرض الفلسطينية فلا وقت مطلقًالاتهام أحد أو التشكيك بنيّات مقاوم، فالتشكيك بمن يسالم المحتل ويهادنه أقوى من التشكيك بحامل السلاح والمشغول بالمقاومة. نسأل الله النصر لإخوتنا في فلسطين، وأن يمكنهم حتى يخرجوا العدو المحتل عن قبلة المسلمين الأولى، وأن يهدي مثقفينا إلى نصرة قضايا أمتهم والدفاع عنها، ومؤازرة المقاومة في غزة وفي فلسطين كافة، فلا عدو لنا غير إسرائيل، وكل قضايانا الأخرى خلافية نستطيع تدبر أمرها وحلحلتها. رابط الخبر بصحيفة الوئام: إسرائيل تخترق الفكر العربي!