لو قيل لك قبل وقت قريب أن الناس سوف يجتمعون ويضحكون ويسعدون وإن كانوا صامتين ولا يتبادلون أطراف الحديث بل لا ينظرون إلى بعضهم البعض … أجسادهم قريبة وعقولهم بعيدة قد تكون بعد المشرق والمغرب… فهل كنت ستصدق ؟ لو قيل لك إن العائلة تجتمع على سفرة الطعام وأن الكبار والصغار مشغولي البال حائرين سعداء ليس ببعضهم ولكن بقرب البعيد..وقد يكون بعد المشرق والمغرب … فهل كنت ستصدق ؟ لو قيل لك إن الزوجة مع زوجها والبنت بين يدي والدها والولد بين أهله بجسده فقط و قلوبهم معلقة في مكان ما لا يعلمه سوى الله.. فهل كنت ستصدق ؟ لم يعد الزمان والمكان متلازمان؛ لم تعد الروح تلازم الجسد؛ تغيرت أحوال الناس وأفكارهم ورؤاهم بل ومعتقداتهم ولغاتهم، ولم يبقى على حاله سوى عيون دامعة ترمق الوضع بصمت مطبق واندهاش كبير وإحساس مقيت بالعزلة والغربة .. لم تبق سوى أرواح مقدسة تسكن أجساد كبار السن تنظر بحرقة وبلوم كبير فهم لا يستطيعون مجاراة الجديد- إلا نزرا يسيرا منهم – وقد كانوا قبل فترة ليست بعيدة ينكرون بعض الملابس وبعض التقاليع وبعض الممارسات ولكنهم يعيشون اليوم مرحلة الإحباط والخوف من القادم الأكبر المجهول . نعم لقد اقترب البعيد كثيرا ولكن القريب ابتعد كثيرا أيضا . نعم ردمت ثغرات كبيرة ولكن اتسعت ثغرات مهمة وخطيرة . نعم تفتحت أذهان مغلقة ولكن أغلقت أذهان مفتوحة . نعم زادت الثقافة بشكل عام ولكن انتشرت الإشاعات . نعم زادت التوعية الدينية والصحية ولكن المقاطع السيئة والسلوكيات المنحرفة موجودة . لا أقول ..نخشى على أبنائنا وصغارنا من أمواج عاتية قادمة ..ولكننا بتنا نخشى حتى على أنفسنا وإن كنا واعين وإن كنا حذرين … لقد اتسعت الفجوة بين الأبناء والآباء وهي المتسعة أصلا..فلنحاول ردمها بأن لا ننسى أو نتناسى الحقوق في ظل سعادتنا الغامرة …حقوق الوالدين والأبناء … ولنحاول مد جسور المحبة من جديد. وستبقى أي حدود وقيود خطوطاً وهمية في عصر الحرية مهما كان لونها. لقد فتح الباب الكبير للحرية ولن يغلق ؛ لأن عقارب الزمن لا تعود للوراء، لذا علينا أن نتحلى بالإيمان والشجاعة والعدل، لنحافظ على ما تبقى لنا من هوية و من خصوصية ومن تقوى .. للكاتبة نوال العنزي رابط الخبر بصحيفة الوئام: القريب البعيد