هناك نوع مختلف من النذالة .. نذالة عن بُعد ، تحتاج قدراً من المكر والمهارة وطولة بال وقلب محتال بلا مبادئ وقد تجلى هذا النوع مع ( ابن العلقمي ) الوزير الأول للمستعصم آخر خلفاء الدولة العباسية ، عندما مر المغول وأكلوا الأخضر واليابس في بغداد.. .. وكما يحدث في كل زمان ، ولأن الطحالب لا تنمو إلا في المستنقعات ، فقد كَبُرت هذه الآفة مع حاكمٍ بلا حِكمة سَلّم الأمر لغير أهله ووثق في أهل الخيانة فكان سقوط الدولة بهذه الطريقة وصمة في تاريخ البشرية والإسلام . كان ابن العلقمي يراسل هولاكو سراً وهو يدير شؤون البلاد ويقدم له المعلومة والمعونة ، يتحرك داخلياً ليزرع الفتن ويحطم الجيش المسلم نفسياً وعددياً حتى قلّص الجنود من مائة ألف لعشرة الآف لتنهار بغداد لاحقاً دون مقاومة .. للوصول والإقناع .. يتطلب الأمر قدراً من المواهب والابداع .. ولن يكون شخصاً عادياً من يغير مجرى التاريخ ومسار الحروب . كان ابن العلقمي عالماً أديباً كاتباً فصيحاً ، اشتهر بحسن إدارة الأمور والسياسة .. وهي البطانة الصالحة أو الفاسدة عندما تأتي الأموال والمناصب ويبقى التأثير على قدر ما تحمله النفوس من خير أو شر.. قرأ ابن العلقمي الأحداث مبكراً وعرف أن هناك جيشاً قادماً لا يُقاوَم فحجز موقعه مبكراً عند المنتصر ليفوز في الحالتين وهكذا هم الأنذال .. عيّنه لاحقاً المغول رئيساً على مجلس الحكم ، يحكم صورياً مدينة مدمرة يسكنها المرضى وأشباح الموتى ، وبطريقة متعمدة يُهان دائماً الحاكم الجديد من أصغر جندي مغولي وأمام الماره .. كم نذلاً في هذه الحكايه ؟ الحاكم وهو ينغمس في لهوه ويرمي الأمور لغير أهلها !؟ أم والدان فشلا في تهيئة حاكم المستقبل !؟ أم الوزير !؟ أم بطانة فاسدة كانت ترى وتسمع ولها من التأثير والمصالح ما ساهم في السقوط !؟ .. سقطت الخلافة ودُمرت حضارة وانتهت دولة بني العباس ومات شعب وتشرد البقية ، عندما رأته يوماً إمرأة مسلمة يُهان في الطرقات قالت تهكماً : أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟!!.. مات كمداً معتزلاً في منزله خلال شهور .. .. ومع ذلك كان مبتَكِراً ، سجله التاريخ من المبدعين في النذالة ، ابتكر طريقة سرية لإرسال المعلومة لهولاكو .. يختار أحدهم ، يحلِق رأسه ، يكتب عليها بالوشم ، ينمو الشعر فينطلق المرسول أياماً وأميالاً ليقرأوا هناك رسالة كُتب في آخرها : اقطعوا الورقة !، فيطير رأسه.. يتبع .. محمد الماس تويتر mg_almas رابط الخبر بصحيفة الوئام: تاريخ النذالة (3)