مع انتهاء الامتحانات وعناءها ، وإقبال الإجازة الصيفية ورخاءها ، تتسابق الأسر لخلق أنواع من البهجة والسرور عن طريق المناسبات والرحلات وسفر السياحة ، وكان من المعتاد أن يكون أول عمل لإدخال الفرح والسرور على الأبناء هو الاحتفاء بهم وبنجاحهم بإقامة حفلة مبسطة في البيت تحضر فيها التورتة والعصائر وبعضا من الدراهم تجود بها نفس الوالدين لإسعاد صغارهم وأحيانا تتوسع الحفلة لتشمل أبناء عمهم وخالهم وبنفس الترتيب والبرتوكول ، وهذا لا شك أمر مندوب ومستحسن فهو يعطي حافزا للأبناء ليواصلوا تفوقهم ونجاحهم كما أنه يسهم في خلق البهجة بعد العناء بأسلوب ميسر وبسيط . وأحيانا تتطور الحفلة من واحدة مبسطة لكل العائلة إلى أن يخص المتخرج من الجامعة بحفلة خاصة تكون أكبر قليلا يحضر فيها جمع من الأصدقاء والأقارب ، وهي مقبولة مالم يحضر فيها التكلف والإسراف … ومع مرور الأيام بدأت الحفلات تكبر رويدا رويدا وبدأت تنحرف عن هدفها الأساس فتحول المقصد من الإسعاد إلى المباهاة والتنافس ؛ فاليوم لم تعد الحفلات كما كانت ! صارت كل عائلة تظهر جنونا وحمقا أكثر من منافسيها فصار القوم كلهم حمقى عابثون ! تطور الوضع فصار كل ناجح من مرحلة يريد حفلة خاصة به ، ولم تعد التورتة والعصائر تكفي ، بل لا بد من تقديمٍ خاص للحلوى والفطائر وبوفيه مفتوح وموائد تجلب لتكحل بها العين فقط وليرضى بها الغرور ولينتصر فيها المحتفل ! ثم لم تعد المنازل مناسبة لذلك فكان لزاما استئجار قاعة ونحوها ، وبناء عليه فإن المدعوون سيزدادون ومن ثم لابد من الاستعداد بشكل أكبر ، وهكذا … حتى تطور الأمر فصارت حفلات النجاح تقام في الفنادق وبحضور كبار أهل الفن وبتجهيزات تفوق مايوضع في حفلات الزفاف ! سمعت أن طالبات إحدى المدارس الخاصة قد اتفقن لإقامة حفل نجاح خاص بهن وقد دفعت كل واحدة منهن 15 ألفا لتغطية تكاليف الحفل ! كما أن إحدى الأمهات أقامت حفلة لتخرج ابنتها من الثانوية في أحد الفنادق العالمية وبتكاليف تقارب 50 ألفا ! مع أنها موظفة حكومية على ( قد حالها ) ، لم نكن سابقا نسمع بتلك الحفلات الباذخة إلا قليلا لدى أبناء الطبقة المخملية ؛ أما اليوم فأبناء الطبقة الكادحة هم من يقيمون أفخر الحفلات ( فلا تفوتوها ) ، ولست أنكر على الفقراء وأبيح للأغنياء ، لكن الغني ارتكب محظورا شرعيا فقط أما الفقير فقد جمع محظورات شرعية ودنيوية اقتصادية واجتماعية وذلك لايقبل، حتى أن الشرع شنع بعض الأفعال حينما تصدر من الفقراء أكثر من تشنيعه على الأغنياء فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم،ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان،وملك كذاب، وعائل مستكبر) فالعائل المستكبر هو الفقير المتكبر والمفاخر وسبب التخصيص كما قال العلماء أن المال والمنزلة هي سبب التكبر في الدنيا فما الذي يدعو الفقير لذلك وقد فقدهما ! المؤسف حقا أنه كلما ازداد فقر المجتمع كلما زادت مظاهر التفاخر والإسراف ؛ فصار الجميع يحتفل الناجح والراسب ومن هو في المرحلة الابتدائية ومن أخذ الدكتوراة ومن ولدت ومن توظفت ومن تطلقت ومن تزوجت و …. لدرجة أن حفلات الزواج لم تعد تغني بل لابد لحفلة قبل الزواج أو بعده ، وهذا شيء خطير يحتاج لوقفة حاسمة من قبل المربين والاجتماعيين في المحاضن التربوية وخاصة المعلمات منهم ، لماذا لا نجد لهن دورا إيجابيا في كبح جماح تلك الظاهرة اللعينة ؛ أين مسؤوليتهن الاجتماعية و دورهن الأخلاقي والديني ؟ وما يؤسفني أكثر أن أغلب من يقمن الحفلات لأولادهن هن المعلمات ؟ أليس الواجب أن يكن قدوة للمجتمع ولطالباتهن بدلا من تضييع أموالهن فيما لا ينفع ؟ وفي الختام يجب أن أشكر الفتيات في إحدى المدارس اللاتي جمعن مبالغ احتفالهن وقاربت 40 ألفا وتبرعن بها لكفالة أيتام وحفر أبار في دول إسلامية فجزاهن الله خيرا ونعم القدوة هن . رابط الخبر بصحيفة الوئام: حفلتنا أحلى