كل إنسان منا له أصدقاء يرتاح إليهم، ويفضي بمكنونات صدره وملاحظاته، لا يتحرج من الشكوى لهم، ولا يضيق ذرعا بسماع معاناتهم وهذرهم أيا كان، لأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، وتتفاوت هذه الاجتماعية من ذات إلى أخرى، وفي زماننا كثرت المجالس بين الواقعية والافتراضية أيضا على شبكة الإنترنت . ما دعاني إلى كتابة هذا المقال، هي مشاهداتي الكثيرة في مجالس الأصدقاء، وأحدهم يشتكي من تعامل مديره أو زملائه في العمل، والآخر يبكي من جور الأقارب، والثالث يئن من تعامل موظف في مؤسسة حكومية أو خاصة، ثم يتسابق القوم في المواساة والطبطبة على روح الشاكي، وتدور عجلة النقد و (المفروض أن)، ويغيب المنطق، ويستمر الحال على ما هو عليه في كل جلسة . نادرا ما رأيت أو سمعت في جلسة مَن يتبنى دور المتهم الغائب الذي لا يدري ماذا قيل فيه، فكم من مشتكٍ هو أساس المشكلة، فهذا موظف لا يؤدي عمله كما يجب، وإذا جابهه مديره أو زملاؤه، انفجر باكيا وشاكيا بين الأصدقاء، وذاك لا يراعي حق القربى في قرابته، فتقمص شخصية الضحية أمام أصدقائه كي يكفر عن ذنبه الذي يؤلمه، وعاشرٌ لم يكمل أوراق معاملته التي يراجع فيها، وعندما طلب منه الموظف إكمالها امتلأ حنقا وغيظا، واعتبر الأنظمة تفاهات وبيروقراطية جوفاء،وهكذا دواليك . سلبيتنا في المجالس، وعاطفتنا الساذجة هي التي تكرس في ذواتنا نسق الضجر، والنظرة السلبية للكثير من الأمور؛ لأننا لم نكلف أنفسنا في التحقق من شكوى هذا المشتكي، ولم نتبين الأمر، حتى ثارت عواطفنا، وأدى ثورانها إلى تضخم الذات الناقدة فينا، وأخذنا نعمم النظرة السلبية التي رسخت في قناعاتنا من تلك المجالس الأصدقائية المجاملة، متناسين أن الصداقة أسمى وأعمق . ولا ننس أيضا الحكاية العربية الشهيرة: إذا جاءك المشتكي بعين واحدة، فلا تتعجل، ربما يكون المشتكى عليه مفقوء العينين . أحمد الهلالي رابط الخبر بصحيفة الوئام: الضمير الغائب في مجالس الأصدقاء!