يعكف عمال وملاك الانفاق على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر على القيام بسلسلة من الاجراءات للحد من المصاعب التي خلفتها لهم حملة أجهزة الأمن المصرية لاغلاق هذه الانفاق منذ عدة أسابيع. ولجأ العمال والملاك إلى شق قنوات لتصريف المياه ووضع مضخات شفط قرب تدفقها، فالأمن المصري يعمد إلى إغراق مئات الأنفاق بالمياه العادمة، في حين لجأ آخرون إلى تحصين أنفاقهم بجدران أسمنتية. وتأتي هذه الإجراءات وسط تراجع لافت في حركة توريد البضائع عبر الأنفاق بفعل الحملة المصرية التي قال ملاك أنفاق إنها تقوم على إغراقها بمياه الصرف الصحي عبر مضخات وضعت في باطن الأرض من أجل القضاء نهائيا على هذه الأنفاق. وغلب الحرص الشديد محمود سكر وهو يخطو مع ثلاثة من زملائه في باطن الأرض سعيا لإعادة تأهيل نفقهم الذي دمرت مياه الجيش المصري أجزاء كبيرة منه.بحسب وكالة رويترز. وسكر واحد من عشرات الحفارين الذين يسعون إلى التغلب على المياه العادمة المتدفقة من الجانب المصري إلى باطن الأرض في إطار الحملة الأمنية ضد شبكة الأنفاق الأرضية. وأخذ سكر يكرر تعليماته لزملائه بالانتباه والسير خلفه مباشرة داخل النفق خشية فقدان أرواحهم، لإتمام مهمتهم بوضع مضخة شفط مياه بما يمكنهم من استعادة العمل داخل نفقهم الذي يقع بجوار بوابة صلاح الدين غرب رفح.وتوجد في المنطقة عشرات الأنفاق التي أغرق الكثير منها بالمياه. وفي منطقة مجاورة، تحول نفق يديره أبو فلاح وسبعة من عماله إلى ورشة عمل على مدار الساعة لترميمه من الداخل بعد أن أصابه دمار واسع بفعل تدفق المياه داخل باطن الأرض. وقال أبو فلاح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) إنه لجأ إلى تحصين النفق بالأسمنت بعد أن كان تحصينه يقتصر على ألواح الأخشاب وذلك للحد من مخاطر تدفق المياه إلى داخله وما يحمله ذلك من مخاطر على أرواح العمال عند النزول إلى باطن الأرض لاستلام البضائع المهربة. ولا يزال العمل مستمرا في شبكة الأنفاق التي يستخدمها الفلسطينيون في جلب مواد البناء والصناعة والمحروقات لمواجهة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ صيف عام 2007. وتراجعت مستويات العمل في أنفاق التهريب بعد سلسلة تسهيلات أدخلتها إسرائيل على حصارها للقطاع صيف عام 2010 لكنها ظلت شريانا رئيسيا لسلسة بضائع يحتاجها القطاع الساحلي، خاصة مواد البناء والمحروقات. وقال تجار محليون ل (د.ب.أ) إن حركة البناء في قطاع غزة تراجعت خلال الأسبوعين الأخيرين اثر ارتفاع أسعار مواد البناء بسبب الحملة المصرية لهدم أنفاق التهريب على الشريط الحدودي مع القطاع. وذكر هؤلاء أن إغلاق الأنفاق دفع التجار في الجانب المصري من الحدود إلى بيع مواد البناء بأسعار مرتفعة، فقد وصل سعر طن الأسمنت إلى 700 شيقل إسرائيلي بدلا من 400 شيقل قبل الحملة ضد الأنفاق (الدولار الأمريكي يساوي 75ر3 شيقل إسرائيلي). وتقول مصادر فلسطينية لوكالة الأنباء الألمانية إن حوالي 40 بالمئة من احتياجات القطاع تأتي عبر أنفاق التهريب مع مصر رغم الانتعاشة الكبيرة التي أدخلتها إسرائيل في حركة توريد البضائع إلى القطاع. وقال مالك لاحد الانفاق يدعى أبو سلام ل (د. ب.أ): “مئتا نفق في حي السلام والبرازيل غربي رفح لم تعمل خلال الشهر الماضي إلا أيام محدودة فقط بفعل الحملة المصرية”.ولايزيد عمق معظم الأنفاق في هذه المنطقة عن سبعة أو عشرة أمتار في باطن الأرض. ووصف أبو سلام مخاطر تدفق المياه إلى باطن الأنفاق بأنها “لا تقل فتكا عن القنابل الإسرائيلية التي طالما استهدفت منطقة الشريط الحدودي على مدار أعوام عملها”. وخلال الشهر المنقضي ذكر مالكو أنفاق ومسؤول أمني أن الجيش المصري دفع بكمية كبيرة من مياه الصرف الصحي على أربع دفعات بواقع مرة كل أسبوع. ويشير مالكو أنفاق وعمال إلى أن الجيش المصري حفر 10 أبار ارتوازية ووضع مضخات فيها على عمق 10 أمتار من أجل تدمير شبكة الأنفاق. وكانت مصر بدأت حملة واسعة أخرى لإغلاق الأنفاق بعد هجوم مسلح وقع في الخامس من آب/أغسطس الماضي في شبه جزيرة سيناء، اسفر عن مقتل 16 من العسكريين المصريين برصاص مسلحين متشددين.وتركز عمل الجيش المصري في حينها خلف الحدود مع غزة، إذ كان مهندسون مختصون يحددون مسار الأنفاق لوحدة الهندسة التي كانت تقوم بدورها بالحفر في باطن الأرض لعمق يصل أحيانا إلى 21 مترا بحثا عن الأنفاق. وواجهت أنفاق التهريب حملات عنيفة وشديدة في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك وكانت حماس أكثر انتقادا للإجراءات التي قامت بها حكومته واتهمته حينها بمساعدة إسرائيل في حصار غزة. وقال رئيس بلدية رفح في جنوب قطاع غزة صبحي أبو رضوان ل (د. ب.أ)ك “الحملات المصرية ضد الأنفاق متكررة ولا تتوقف لكنها لن تتمكن من وضع حد للنشاط الجاري قبل أن يتم توفير بديل يغيث سكان القطاع باحتياجاتهم”. وامتنع أبو رضوان المعين من قبل حكومة حماس عن توجيه انتقادات لجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر على خلفية الحملة ضد الأنفاق، وقال إنه يتم التواصل مع الجانب المصري بشأن مخاطر ذلك على سكان القطاع واحتياجاتهم. وبلغ حجم استيراد قطاع غزة عبر الأنفاق خلال النصف الأول من العام الماضي حوالي نصف مليار دولار وفق ما جاء في إحصائية أعدتها وزارة الاقتصاد في الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس. وبحسب الإحصائية ذاتها، جرى عبر الأنفاق تصدير بضائع إلى مصر بقيمة لا تتجاوز 50 ألف دولار أمريكي فقط خلال نفس الفترة. وعمال الأنفاق هم الأكثر تعرضا لمخاطر الحملات المصرية المتكررة في المنطقة الحدودية. وترصد مؤسسات حقوقية وفاة أكثر من 230 عاملا داخل أنفاق التهريب منذ عام 2006 ، غالبيتهم سحقا بالرمال. وتسببت الحملة المصرية الجارية والارتفاع الحاد في أسعار الأسمنت المهرب إلى فقدان المئات من العمال عملهم بعد أن أجبر أصحاب المصالح وورش البناء على وقف العمل بانتظار انخفاض الأسعار. ولم تؤثر هذه الأزمة على حظوظ العاملين في قطاع البناء فحسب، بل طالت العاملين في سحب الأسمنت من الأنفاق ونقله إلى التجار وورش البناء، وقد انخفض عدد أيام العمل عند عمال الأنفاق ليصل إلى يوم واحد أسبوعيا. ويلقي معارضون باللوم على حركة حماس في تعريضها العمال من الباحثين عن أي فرصة عمل للهلاك داخل الأنفاق علما بأن ذويهم لا يتقاضون أكثر من 10 ألاف دولار في حال لقي أحدهم حتفه داخل الأنفاق. رابط الخبر بصحيفة الوئام: مصر توجه ضربات متتالية لانفاق التهريب مع قطاع غزة