نشاهد التلفاز ، نتابع أخبار كل ما يدور في أقاصي الكرة الأرضية بجهاتها الأربع ..نتابع التحليلات السياسية والفنية والرياضية ، المطولة ..ثم نقفز لتويتر ، نتابع أسراب المغردين ، وما شدت به حناجر أفكارهم وأذواقهم .. ونتصفح بعض مواقع النت ومعه البريد. . ننشغل بما يرسله لنا أصدقائنا على أجهزتنا الذكية ، من محادثات أو رسائل .. وفي المجالس يُقتطع معظم الوقت في الحديث عن ( الآخرين ) ..أو حتى ، ننغمس في أعمالنا ونخترع أعمالا ، حتى لا يبقى لنا فرصة للتريث أو التفكير .. ووسط كل ذلك الزخم نكتشف – أو لا نكتشف – أننا نعيش خارجنا ، وأننا فقدنا بوصلتنا الداخلية..وأن كل مظاهر الانشداه للخارج ، ما هي إلا مسكنات لألم القلق والتوتر ، الذي ينبض داخل دمائنا.. والذي سببه أننا فقدنا تواصلنا مع ذواتنا ، أو لم نعرف أصلا ، ولم نجرب أن نتواصل ، بشكل مريح ، مع ذواتنا .. وأن الذي يحدث في أغلب تواصلنا مع ذواتنا ، هو ذلك التواصل السلبي المدمر ، الذي نسمعه في دواخلنا على هيئة ، ذم أو نقد أو شعور بالنقص ، أو وخزات من تأنيب ضمير..وهو ما يلجؤنا للهرب دوما من أنفسنا ، بالانشغال بغيرها وسواها .. إن التواصل مع الذات يعني أن تكون ملما بذاتك ، أكثر من أي شيء آخر في العالم .وأن تعلو ملكة ” إدارك الذات ” لديك على كل ملكة أخرى. إنها تعني أن تعرف من أنت ؟ ما مواهبك وما مزاياك ، ما عيوبك ونقاط ضعفك ؟ وما هي أهداف حياتك ؟ ما نوع علاقاتك بمن حولك ؟ هل أنت سبب لتعاستهم ؟ أم أن وجودك يضيف رصيدا إلى سعادتهم ؟ إن التواصل مع الذات ليس معنى صعبا أو معقدا ، وليس حكرا على المفكرين والفلاسفة ، بل هو وصفة السعادة وطريق النجاح .وهو يُكتسب بتنمية الوعي الذاتي قبل كل شيء . ولا شيء يبني وعي الإنسان مثل القراءة . القراءة الواعية ، التي تحاور الكاتب وتتفاعل معه ، لا أن تتلقى وتسكب المعلومات المجردة في وعاء العقل . وأفضل أنواع القراءات – في هذا المجال – ، القراءة في كل ما يتعلق بتنمية الذات ، وتحفيز القدرات .والحوار مع الآخرين ، وتقبل أرائهم المخالفة ، والاستماع – لا مجرد السماع – لهم ، يلقي الضوء على جوانب في حياتنا وذواتنا قد لا نعرفها .إن التواصل مع الذات يعني ببساطة ان تحدد أهدافك ” مفصلة ” ، من خلال الإجابة عن سؤال ( ماذا أريد في هذه الحياة ؟ ) . ولا يوجد ما يجعل الإنسان متصلا بصدق مع ذاته ، مثل كتابة أهدافه وخطة عمره . إن ذلك يضمن له النهوض بحياته ويخلصه من أعباء التوتر والقلق الذي ينوء به. ليس الانشغال بمشاهدة ” مباراة ” أهم من ذاتك ، ولا الاستغراق في ” إعداد طبق ” أهم من تواصلك مع ذاتك . إنها دعوة لنعيش حياتنا ، ونترك العيش في حيوات الآخرين .. إضاءة : ( الإنسان لم يُخلق للهزيمة ) ..إرنست هيمنغواي. رحمة العتيبي