يُشاع في الأوساط الإعلامية والثقافية أن التعصّب الرياضي منتشر في المناشط والميادين الرياضية، بصورة تفوق التحمّل، وهذا الكلام قد يذوب تحت حرارة الواقع، وقد ينكسر تحت مطرقة الوقائع، وإليكم بعضاً مما يؤكد أن التعصّب الرياضي أقل بكثير من التعصّب في الميادين الأخرى.إن من يتابع الجدل الدائر حول من ينتقدون المنتخب، يجد أن الهامش متسع الحرية، فمثلاً لو طالب المذيع بإقالة هذا المسئول أو ذاك، أو “تسريح” هذا المدرب أو ذاك، فلن يجد التعنّت الشديد، والوعد والوعيد، بل كل ما يحصل هو انتقال هذا المذيع “الجريء” من قناة إلى قناة أخرى.كما أن أغلب رؤساء التحرير بدؤوا حياتهم كمحرّرين رياضيين، وكانوا يصرخون -عندما كانوا في المجال الرياضي- بأقوى العبارات، ولكن عندما تحولوا إلى السياسة والشأن العام، تقلّصت كلماتهم، وخفتت أصواتهم، وأكبر مثال على ذلك الأستاذ عثمان العمير رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط الأسبق، الذي قال: “أيها الناس اتركوا التعصّب وشجّعوا الهلال”. قال ذلك بكل بساطة، ولكنه عندما انتقل إلى السياسة والشأن العام لم يستطع أن يكتب بمثل تلك الجرأة.وسأذكر مثالاً ثانياً حدث معي قبل أربع سنوات، حيث كتبت في جريدة المدينة –قبل سنوات – ممازحاً جماهير النصر –من باب الميانة والمحبة-، عبر طُرفة تتداولها الأوساط الاجتماعية، تقول: إن وجه الشبه بين جماهير النصر والفئة الضالة أن كلاهما مغرّرٌ به، فما كان من رئيس النصر السابق الأمير “الخلوق” فيصل بن عبد الرحمن بن سعود إلا أن اتصل برئيس التحرير مُعاتباً، ولم يُطالب بتوبيخي أو مساءلتي أو إيقافي، بل اكتفى بالقول: إننا نعتب على أحمد، ونتمنى منه أن يعتذر لجماهير النصر، فكتبت بعد ذلك بيومين التنويه التالي: إلى محبي نادي النصر، اعلموا أن النصر في قلوبنا قبل أن يكون في قلوبكم، والمقال الماضي لم يقصد المقارنة بين جماهير النصر وبين غيرها، إلا المداعبة النظيفة، والفكرة اللطيفة، والحكاية الخفيفة، وإلاّ فالنصر وجمهوره يبقيان من مكتسباتنا الوطنية في المجال الرياضي، ويكفي أن النصر احتكر وصف الفريق “العالمي” لنسفه مدى الحياة.حسناً، ماذا بقي؟بقي القول أن التعصّب الرياضي –وإن كان موجوداً- إلا أنه يبقى الأقل بين التعصّبات والمشاحنات والتشنجات في الميادين الأخرى، فمثلاً في الكرة تستطيع أن تناقش أي شيء، أما في جوانب الشأن العام الأخرى مثل ممارسات الهيئة أو الخطوط السعودية، أو شركات الاتصالات، أو حتى أنظمة العمل والعمّال، فأنت لا تستطيع أن تناقشها بنفس الحرية التي تُناقش بها ما يدور في المجال الرياضي، ومع هذا يقال “التعصّب الرياضي”، ولا يُقال “التعصّب الديني أو التعصب الخطوطي”، أو “التعصبّ الخدماتي”، أو “التعصّب السياسي”! تويتر: Arfaj1 [email protected] مقالات سابقة