لن أستطيع تصوير دهشتي البالغة، وذهولي واستغرابي الهائلين، من ردِّ الشيخ عائض القرني على الكاتبة سلوى العضيدان، ولو جعلتُ البحر مداداً لكلماتي والأراضين السبع أطراساً لها. إنَّ عجبي لا يكاد ينقضي من ذلك الرد الفظيع المفزع الذي طالعتنا به وسائل الإعلام قبل أيام، ولا أظن بل أجزم أنه لن يمرَّ مرور الكرام أمام من يملك ذرة من العدل والإنصاف، حتى لو كان من العامة أو البسطاء، ناهيك عن المثقفين والعلماء والعارفين والمطلعين، وعلى رأسهم المسؤولون عن حماية الملكية الفكرية وقضايا “حقوق المؤلف” في وزارة الإعلام. ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظرون من الشيخ عائض اعتذاراً صريحاً من الكاتبة العضيدان، بعد أن شاهدوا بأمهات أعينهم جداول المقارنة الواضحة التي تدينه، والحجج المفحمة، والبراهين الدامغة التي انتشرت في الانترنت، مثبتةً لذلك السطو الظاهر، بل بعد أن حصل الكثيرون على نسختي الكتابين، وقارنوا بينهما مقارنة دقيقة أثبتت لكل عاقلٍ مميِّزٍ بما لا يدع مجالاً للشك أن غالبَ ما ورد في كتاب الشيخ نقلٌ حرفي نصّي من كتاب الزميلة سلوى، وبشكل واضح وضوح قرص الشمس في كبد السماء. أيها الشيخ الجليل: إن من يقرأ ردّك الطويل على الكاتبة، سيفهم منه التالي: من حقِّ أيِّ إنسانٍ أن يصوّر أو ينسخ أو ينقل ما يشاء من أي كتاب يعجبه، ثم يذهب به إلى أي ناشرٍ، وينشره باسمه؛ لأن هذا -في رأيك- أمر طبيعي مباح سبقنا له المتقدمون، ومنهم العلماء والأدباء وغيرهم من الذين استشهدت بهم وبما فعلوه في ردك، لتبرِّر به فعلتك التي لا تغتفر. يقول الخبر: “وأوضح القرني أن أهلَ العلم والمعرفة والأدب استفاد بعضهم من بعض، مستدلاً بشيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقل عشرات الصفحات في كتبه لعلماء في مثل “درء تعارض العقل والنقل”دون ذكر المرجع”؛ فهل كان هذا عجزاً من ابن تيمية؟ ومن نحن إذا قورنّا به وبأمثاله من الأفذاذ؟” أين ذهبت حقوق الملكية الفكرية إذن ياشيخ؟، وما هو الداعي لوجود القوانين والأنظمة الإعلامية التي تبذل عليها الدول الغالي والنفيس لحفظ حقوق المؤلفين وحماية الكتب والمصنفات وغيرها من أعمال الأفراد وإبداعاتهم الخاصة من العبث والتلاعب والسرقة والانتحال. هل يصحُّ يا شيخ -وأنت العارف المطّلع- أن تقارن بين عصرنا الذي تسود فيه القوانين الشاملة المنظمة لحياة البشر وعصرهم الغابر الفوضوي القديم؟، ثم هل يمكن أن نُقارن نقلَ صفحاتٍ قليلة أو أبيات معدودة في كتب نوادرٍ من المتقدمين –ربما لهم أعذارهم- بنقل كتاب كامل تقريباً؛ باستثناء نزرٍ يسير من الصفحات؟، وحتى لو ثبت أن بعض البارزين من الأوائل فعل فعلتك ونسب كتاباً كاملاً أو غالبه لنفسه، فهل فعله دليلٌ على سلامة موقف كلِّ ناسبٍ منتحِلٍ ينسب أحدَ كتب غيره لنفسه، دون أن يكلّفها –أي النفس- بالقيام بأي جهدٍ سوى تغيير عناوين الفصول وإضافة بعض الأسطر؟! ليس صحيحاً أن أهل المعرفة والأدب والعلم فرّطوا في حفظ حقوق المؤلفين قديماً، ولا أنهم كانوا يسمحون لكل من أراد منهم بنسبة مجهود غيره له، أو نقله إلى كتابٍ لاحقٍ يؤلفه، دون ذكر المرجع أو الإشارة لصاحبه الأول، سواءً في التأليف أو البحث أو التصنيف أو غيرها من المجالات الكتابية أو الإبداعية، بل كانوا يلتزمون بالتوثيق والتدقيق والتحقيق التزاما عميقاٌ مكثفاً، ولا يتركون شاردة ولا واردة تمرُّ إلا نسبوها لصاحبها. لقد وقف علماء العرب وأدباؤهم بالمرصاد للنحَّالين منذ عصور بعيدة، وبذلوا الجهود الضخمة التي تفيض بالحديث عنها بحور التراث العربي العريق، لردع أولئك وكشف حقيقة كل منتَحلٍ نحلوه، والاجتهاد في نسبته إلى صاحبه الحقيقي إن هم استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ لعلمهم أن التساهل في ذلك خطير على العلم والمعرفة والأدب، ولم يصف أحد من المعتبرين منهم الانتحال بما وصفته به يا قرنيُّ بقولك: (استفادة بعضهم من بعض)، ولم يقل أحدٌ قبلك بجواز نقل عشرات الصفحات (دون ذكر المراجع)!! لقد شَغلتْ قضايا الانتحال والسرقات الأدبية والثقافية القدماء كثيراً، واهتموا بمحاربتها اهتماماً صارماً حازماً لا يقل عن اهتمام الدول بسنِّ العقوبات الرادعة للمنتحلين المعاصرين اليوم؛ ولكن الأوائل لم يكن لديهم من وسائل الإعلام والاتصال والتقنية، وغيرها من الوسائل الحديثة، ما يجعلهم قادرين على مواجهة تلك القضية بما يجب أن نواجهها بها اليوم. كان من المنتظر منك يا شيخ وأنت اللبيب الفطن، أن تكون من المجتهدين في إحكام إغلاق مراتيج أبواب حصون العلم والمعرفة والثقافة والأدب أمام العابثين والمتلاعبين، لا أن تكون مساهماً في كسر أقفالها وإشراع أبوابها على مصاريعها أمامهم. تقول يا شيخ عائض -سامحك الله- ما هذا نصّه: “إني – والحمد لله – لستُ عاجزاً عن التأليف؛ فأنا أستطيع – بحمد الله – تأليف كتاب كامل دون الرجوع لمصدر، وقد أُعطيت في البحرين جائزة المؤلف العربي الأول، والذي يحفظ القرآن وآلاف الأحاديث وآلاف الأبيات وطالع آلاف الكتب هل يعجز عن التأليف من حفظه؟ ولكن ماذا أقول لمن يعلّق ويقول عني: حتى كتاب (لا تحزن) ليس له إنما أخذه من كتاب (دع القلق وابدأ الحياة)، وحجمه خُمْس كتابي، ولم آخذ منه إلا صفحة واحدة”. عجباً يا شيخ!! ماهو شأن ذلك بقضيتك مع الأستاذة سلوى، حتى تورده في معرض ردِّك عليها؟، هل اتهمك أحدٌ بالعجز لا سمح الله؟، وهل طلب منك أحدٌ، أو طلبَتْ منك الجهة المختصة في وزارة الإعلام عند نظرها لقضيتكما أن تستعرض قدراتك وعدد الأحاديث والأبيات التي تحفظها والجوائز التي حصلت عليها في مجال التأليف؟. كما أن قضية كتابك (لاتحزن)، وما ورد فيها من الاتهام بالنقل قضية أخرى، ليس لها علاقة بقضية كتابك الشهير (لا تيأس) المنقول من كتاب (هكذا هزموا اليأس) للعضيدان؟، فلماذا تورده في ردِّك عليها إذن؟. هل هي رغبة في تشتيت المتابع وصرف انتباهه عن القضية الأمِّ إلى قضية أخرى أقلَّ منها؟ أنت يا شيخ محبوبٌ من الكثيرين، ولك جمهور طويلٌ عريضٌ في الوطن العربي، ينظر إليك نظرة إكبار وإجلال وتقدير فائق، فأنت في نظرهم القدوة والمعلم والمربّي والأستاذ؛ فكيف تردُّ بهذا الردِّ الذي لولا أنه نُشر في مصادر موثوقة، لما صدَّقتُ ولا تصوَّرت أنه لك، ولا لأي عالم أو مثقف أو أديب آخر، ليقيني أنه قلبٌ مكشوفٌ لطاولة الحقيقة، وليٌّ لعنقِ خيلها ليحيد عن مساره الصحيح، وتنصُّل من الخطأ، بل قد يظهر فيه إذا أمعنّا النظر قتلٌ لشرف القلم، وهبوط بمستوى الثقافة إلى أسفلِ سافلين!! أيها العالم القدوة: كيف يجرؤ رجل فاضل يشار إليه بالبنان مثلك أن يقول: “وأنا وإياك يا ابنتي الغالية لم نخترع أفكاراً حصريّة، ولم نكتشف في كتبنا اكتشافات علميّة خاصة بنا كالنظرية النسبيّة لآنشتاين أو قانون الجاذبية لنيوتن، بل ما كتبناه وما قلناه سبقنا إليه من قبلنا كما قال عنترة: (هل غادر الشعراءُ من متردِّمِ؟) أي لم يترك لنا الشعراء السابقون معاني إلا وطرقوها، وقد أخذنا من غيرنا وأخذ غيرنا منا”. إذن فأنت تجيزُ لكلِ إنسانٍ أخذَ ما يشاء من كتب الآخرين، ونقل ما يريد من مؤلفاتهم ومصنفاتهم وبحوثهم ودواوينهم، دون قيد أو شرط، سواء كانوا علماء أو أدباء أو مفكرين أو غيرهم (دون الإشارة للمراجع)، ما لم يكن المنقول اختراعاً حصرياً أو اكتشافاً علمياً أو قانوناً عظيماً مبتكراً؟! أيها الداعية المحترم: إنه لمن المتحتّم عليك جداً الآن أن تراجع نفسك جيداً بعد ردّك الأخير، الذي كان من الأفضل لو احتفظت به لنفسك؛ لأنه لم يزد موقفك الصعب إلا صعوبة وغرابة وتعقيداً، إن ذلك متحتّم عليك الآن جداً، جداً جداً يا شيخ عائض. يجب عليك الاعتذار بشكل واضح وصريح من الكاتبة، بل من جميع متابعي القضية، وعلى رأسهم جمهورك ومحبّوك. بل يجب عليك -أولاً- الاعتراف التام بالخطأ، دون مكابرة أو محاولة للتهرب؛ فقد أدانتك رسمياً لجنة النظر في المخالفات التابعة لإدارة “حقوق المؤلف” والمشكَّلة بقرار من وزير الثقافة والإعلام –حسب المتداول إعلامياً- في هذه القضية، وأثبتت وجود سطو واعتداء منك على كتاب الكاتبة، وحكمت عليك بدفع مبلغين زهيدين، أحدهما للحق العام، والآخر للكاتبة في الحق الخاص. هذا ما ذكره محاميكم عبدالله التميمي في تصريحه الذي نشرته وسائل الإعلام بعد ردِّك على الكاتبة بيوم واحد فقط، والطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي أن محاميكم مازالت لديه النية في الطعن في القرار، والتظلم أمام ديوان المظالم حيث يقول في كلامه المثير للتساؤلات والدهشة: ”إن القرار الصادر من اللجنة يعتبر في النظام قراراً ابتدائياً، ولن يكتسب القطعية. ويقول أيضاً: ”القرار قابل للتظلم أمام ديوان المظالم خلال ستين يوماً من تاريخ تبليغ القرار، حسب ما تنص عليه المادة الثالثة والعشرون من نظام حماية حقوق المؤلف”. ويضيف -مصراً على المكابرة- قائلاً: “بالنسبة إلينا مازلنا ننتظر صدور قرار اللجنة في القضية الأخرى المقامة من الدكتور عايض القرني ضد سلوى العضيدان والمتوقع صدوره خلال الأسبوع القادم”. يا دكتور عائض: إن قولك للعضيدان : “عفا الله عنّي إن اجتهدتُ فأخطأتُ وسامحكِ الله على اجتهادك”، لا يكفي؛ لأنه يدلّ على أنك لم تعترف بعدُ اعترافاً كاملاً حقيقياً بالمنسوب إليك، بل بالثابت عليك، فقولك (إن اجتهدت فأخطأت) يوحي للمتلقي بعدم الاقتناع الحقيقي بالخطأ، بل يوحي له بما هو أدهى وأمرّ؛ فأنت تعتبر ذلك اجتهاداً وأمراً عادياً سهلاً مقبولاً في حال ثبوته عليك. كما أن قولك لها (سامحكِ الله على اجتهادك) يوحي للمتلقي أيضاً أنها هي المخطئة، وأعني بالمتلقي فيما سَبَقَ المتلقي العارف بلغة العرب. يا شيخ عائض: إن الخطأ هو طبيعة الإنسان يا فضيلة الشيخ، وليس عيباً أن يعترف الشخص بخطئه اعترافاً جلياً مباشراً صريحاً لا مراوغة فيه ولا لبس، وليس عيباً ولا نقصاً ولا عاراً أن يعتذر أيضاً -بعد الاعتراف- مِن الطرف الآخر الذي أخطأ عليه، بل إنّ ذلك لعمري هو الفخر الذي يرفع قيمة الإنسان بين الناس ويعلي من قدره وقيمته! إذا كان اعتذار المخطئ عن خطئه هو المألوف بين عامة الناس في مختلف مجالات الحياة، وهو مقياس التفاضل ومؤشر التواضع عند الأسوياء منهم بشكل عام؛ فكيف بالعاملين في مجال العلم والمعرفة والتأليف والمهتمين به؟ لا شك أنه في حقِّهم أثبت وأوجب من باب أولى، دون أدنى ريب. ليس من السهولة استساغة قولك: قال أحدهم: إن قصيدة هذا الذي تعرف البطحاء وطأته( ليست للفرزدق)، أو قولك: وقال أحدهم في مجلس: إن قصيدة (ثورة الشك) ليست للأمير عبدالله الفيصل، وإنما هي لشاعر مصري. من هو “أحدهم” هذا؟، ومتى كانت أحاديث النكرات في المجالس حججاً يبرِّرُ بها المثقفون زلاتهم. لقد وصفتَ الأخت سلوى بأنها كإحدى بناتك؛ تكنُّ لها التقدير والاحترام، ولزوجها وافر الإجلال؛ وأنهما من أسرة كريمة لها مكانتها. إن وصفك لها بذلك، وتأكيدك على أنك لم تتعرَّض لجنابها بأي سوء، لا يهمنا كثيراً في قضيتك الإعلامية الثقافية معها، بقدر ما يهمنا اعتذارك منها اعتذاراً صريحاً، وتعويضها بالشكل الذي يرضيها.. إن كلامك العاطفي الكثير الوارد في ردِّك لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يؤخّر ولا يقدِّم في هذه القضية إطلاقاً من الناحية التشريعية النظامية. لقد أصبحت هذه القضية قضية (رأي عام) وليس من السهولة والبساطة التغاضي عنها، او تمريرها إلى خارج الساحة.. إنها لمن القضايا الكبيرة التي هزَّت الوسط الثقافي هزاً عنيفاً يستحيل بعده رميها في سلة القضايا المهملة؛ حتى لو ظننتَ أو ظنّ بعضُ المتعاطفين معك أن قتلها في مهدها -بمثل هذا الرد الركيك الواهن- أمرٌ ممكن أو سهل المنال!! إننا كمتابعين لما جرى، وكغيورين على القوانين والأعراف السائدة في ساحة الثقافة والفكر والمعرفة، وكمواطنين يهمنا “تحقيق العدالة”، وتطبيق الأنظمة على الجميع دون استثناء أو محاباة، لا نريد منك الكثير في هذا الموضوع. إننا –باختصار شديد- لا نطلب منك إلا اعترافاً صريحاً، واعتذاراً مليحاً، واستعداداً جاداً لتعويض الكاتبة بالطريقة التي تتناسب مع حجم (المبيعات والأرباح) التي حققها الكتاب موضوع هذه القضية التي ستستمر عالقة في أذهاننا إلى الأبد، ما لم تُحسِنْ الخروج منها بالشكل المطلوب المشرِّف الذي يأمله وينتظره الجميع منك!! لن يتأثر إلا البسطاء والسذّج بهذه الفقرة: ” وأكد القرني عفوه عمن أساؤوا إليه “أما الذين أساؤوا إليّ بتعليقاتهم فأقول سامحكم الله وعفا الله عنكم، وأما ردّي وجوابي فهما أعمال قادمة وليسا كلاماً”. عجباً عجباً.. أنت المتهم بل المدانُ؛ فكيف تعفو وعن مَن؟! من حق الكاتبة يا صاحب الفضيلة أن يقف الجميع معها؛ فهي صاحبة حقٍّ أبلجٍ، والوقوفُ مع صاحب الحقِّ واجبٌ على الجميع كما تعلم، ويجب عليهم الفخر بالقيام به؛ حتى وإن فهمت أيها الشيخ الكريم أنه تطاول عليك أو إساءة إليك. لستُ منحازاً لها، أو متعاطفاً معها على حساب الحقيقة، فهي –كما ظهر لي من قلمها الجميل- تختلف عنّي اختلافا جذريّا في منهجها وتوجهها، وبيننا تباين شاسع في القناعات ووجهات النظر. ولكننا أمام قضية ليس لها علاقة بالمسار الفكري أو التوجه الإيديولوجي. نحن أمام قضية (انتحال) ويجب أن يقف الجميع في صفِّ المتضرِّر، حتى أشدّ الناس حباً لك أيها الشيخ يجب أن يقفوا معها؛ لأن تجاهل الأمر أو التقليل من شأن ما قمتَ به، سيفتحُ البابَ على مصراعيه أمام فوضى عارمة في الساحة الثقافية.. فوضى ستحرق الأخضر واليابس في هذه الساحة الجميلة التي لا نريد دمارها وخرابها.. فوضى ستجعل كل من هبّ ودبّ يسطو على جهود الآخرين، وينسبها لنفسه!! ليس هناك ثغر من ثغور الساحة الفكرية والثقافية يمكن أن تؤتى من قبله، كهذا الثغر الذي يجب علينا جميعاً التعاضد والتكاتف لحمايته، وإذا اختلط الحابل بالنابل في هذا الموضوع، فالنتيجة ستكون كارثة حقيقية بجميع المقاييس، وستصبح (سرقة كتاب) أسهل من شرب كأس ماء، وحينها حدِّث ولا حَرَجَ عن التّبعات والآثار السلبية الكثيرة التي ستنتج عن ذلك. لقد أهدتك الأستاذة سلوى كتابها “هكذا هزموا اليأس” وكانت سعيدة حين وصلها منك خطاب شكر وثناء، ولم تكن تتوقع أن تعاد طباعة هذه الهدية حاملة اسمك يا شيخ !. لا أدري كيف استطاع قلبك وقلمك كتابة ردك عليها وهي التي تقول: “كتاب لا تيأس للدكتور عائض القرني تم سرقة ما نسبته 90% منه، من كتابي هكذا هزموا اليأس، بنفس صياغتي للمواضيع وبنفس تعليقاتي وبنفس الأخطاء المطبعيّة، والمضحك المبكي أن مقدمتي التي قمتُ بتأليفها من بنيّات أفكاري تم السطو عليها هي أيضاً، وأدرجت ضمن مواضيع الكتاب .نعم تعرضتُ لأكبر طعنة في حياتي، فالدكتور القرني كان بالنسبة لي قدوة للكفاح والمثابرة والاعتماد على الذات ومنارة مضيئة تسترشد بها بإذن الله أشرعة النفس حين تتجاذبها أمواج الحياة. وحين اعتزل وكتب قصيدته القرار الأخير وأغلق عليه باب بيته كنت من أوائل الناس الذين ساندوه ودعموه بالقلم والدفاع عنه، وكتبت يومها مقالة في جريدة الجزيرة بعنوان: عائض القرني لا تحزن” ا.ه أيها الشيخ الشعبي الجماهيري: أنا لا أقسو في العبارة، ولا أطيل في الحديث، لأني أكرهك، ولا لأني أريد بك الضرر أو أتمنى لك الشرَّ، فليس بيني وبينك ما يدفعني لذلك، ولا لأني جاهل أحمق أو سفيه أخرق يهذي بما لايفقه؛ وإنما أفعل ذلك لأن القضية تستوجب مني فعله وأكثر. إنها ليست قضية عادية يا قوم.. إنها قضية انتحال وسطو علني على جهد كاتبة بذلت الكثير واجتهدت وتعبت حتى ظهر كتابها للنور. آه، ما أصعب ظهور الكتاب للنور. إن ظهور الكتاب للنور ليس أمراً هيناً يسيراً، ومؤلفو الكتب يدركون ما أقصده جيداً. ألا تدرك أيها الشيخ حجم الألم النفسي الذي يصيب الكاتب عندما ينسب كتابه لغيره؟ ألا تدري ما هي النتائج المتوقعة بعد كلامك المستفز الواردة في ردِّك؟ ألا تعلم أن ردَّك المخيب للآمال قد يشجع ضعفاءَ النفوس على ارتكاب جرائم انتحال وسرقات مستقبلية لا تنتهي؟ لا أعتقد أن إيرادك لذلك العدد الكبير من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الجميلة -على صاحبها السلام- سيغيّر من موقف وزارة الإعلام، أو من موقف الكاتبة، أو من مواقف المنصفين في هذه القضية من المتابعين لها؛ لأن استشهادك الاستعطافي بتلك النصوص جاء في غير مكانه -في نظري-، حيث إنه استشهاد بنصوصٍ بإمكان كل متجاوزٍ لقوانين حفظ حقوق المؤلف أن يستشهد بها، أو بغيرها من النصوص، أو بما يشاء، لينفذ بجلده، أو ليبطل الأحكام الصادرة ضدَّه، عند وقوعهِ في موقفٍ مشابهٍ لموقفك! وبما أنك أوردت في آخر ردِّك -مستعرضاً بنفسك- قولَ أبي الطيب: إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا .. فأهون ما يمر به الوحولُ فمن المناسبِ أن أختم مقالي هذا بقول المتنبي أيضاً: الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ