هذه الأرض مباركة منذ أن أكرمها الله بأول بيت وضع للناس ببكة مباركا وهدى للعالمين، ومباركة منذ أكرمها ببعثة خير الأنام محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فهي منبع الإسلام، ومأرز الإيمان، ودار الإحسان، وهي مهبط الوحي ومحج أهل الإسلام ومهوى أفئدتهم وقبلة صلواتهم ومحضن مقدساتهم وملتقى جموعهم، ومقصد الحاج والمعتمر والزائر والسائح والعابد والتائب والداعية وطالب العلم والفقه، في رحابها تجتمع النفوس وتسكن وتهدأ وتطمئن وتستقر، هكذا أرادها الله أن تكون أولا وتاليا، ولقد أكرم الله الدولة السعودية باحتضان هذه المزايا والمكارم، فنصر الله بها الإسلام ووفقها وسخرها في هذا الزمن المتأخر لنصرة قضايا الأمة. إن ما حدث في الآونة الأخيرة من انتكاسة طارئة في العلاقات الأخوية والقوية بين كبيري العالم الإسلامي السعودية ومصر بسبب تصرفات هوجاء من قبل قلة قليلة من المصريين واستهداف المملكة وسفارتها ورايتها وبعض رجالاتها وتاريخها وشعبها بالسخرية وإلقاء التهم والعبارات الطائشة جزافا في ظاهرة أزمة أخلاقية عجيبة، أمر غير مقبول، وأعتقد أنه خط أحمر، لا يُسمح لأحد بتجاوزه، واعتقد أيضا أن هذا ليس من شيمة أهل مصر، فمصر أرض الحضارات والتاريخ والعلم والإسلام والعبقرية والنيل والأزهر والذكر الجميل، وأهلها أهل الكرم والوفاء منذ القدم، وعلاقاتها بهذه الجزيرة وبهذه الدولة أزلية وتاريخية، فمنذ عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله اقترن البلدان كحليفين استراتيجيين، يجمعهما الدين والثقافة والدم واللغة والجوار والمصالح العليا والمصير المشترك. إن ما أود قوله هو أن علاقات البلدين ظلت خلال مسيرة المملكة العربية السعودية كالجبال الراسيات متانة ورسوخا لا يهزها شيء، وأمل كل مسلم وكل مواطن مخلص أن تبقى كذلك أمد الدهر، لأن وحدة الأمة هدف ديني كما هي أمل موحد هذه الجزيرة وكافة ملوكها وكل مسلم، وهناك من يصطاد في الماء العكر، ومن يسعى لتعكير صفو العلاقات وصفو المودة والإخاء، لمصالح سياسية ومذاهبية وعرقية، لا بد أن نتفطن لها، ولا نسمح لها بالمرور أو استغلال المواقف بالتصعيد والتهويل، والأمل هو أن نعود للرشد والتفكير السليم قبل الإقدام على أمر حتى نسلم العواقب السيئة، مع أني جازم أن عقلاء مصر لم ولن يرضوا بما حدث، ولا بد أن نعلم أن المتهم لا بد أن يخضع للتحقيق والتمحيص حتى تثبت إدانته أو براءته في ظل الأنظمة، والمجرم لا بد أن يعاقب وفقا للشرع حتى يتحقق الأمن شئنا ذلك أم أبينا، لأن الحفاظ على المصلحة العامة فوق مصالح الأفراد ولا أحد فوق النظام والقضاء الشرعي، وأخيرا "لا تنسوا الفضل بينكم".