أثبت المؤتمر العالمي لأمراض القلب الذي أقيم هذا العام في دبي أن "الطب" في طليعة المجالات التي سيتوحد بها العالم، وإن لم يكن قد توحد بالفعل، فعندما يهدد المرض صحة الإنسان لا مجال للجنس والنوع والجنسية والمعتقد والإيديولوجيا، فقط ستعلو قيمة إنسانية كبرى وهي صحة الإنسان. في هذا المؤتمر الذي يعتبر أهم وأكبر مؤتمر عالمي والذي يعقد لأول مرة في دولة عربية، شارك 12 ألف طبيب وأخصائي قلب من مختلف الجامعات والمؤسسات الطبية في العالم، وطرحت 1000 محاضرة، ونوقشت 1176 ورقة عمل.. وجوه مختلفة، وبلدان متباعدة، وخبرات متعددة، ولغات متباينة، كلها اجتمعت في مركز دبي للمؤتمرات، ومن خلال سمينار أو محاضرة قدم كل منهم دراساته التي يضيء كل منها نقطة في عالم طب القلب، ويزيدون مساحة أمل المرضى في الشفاء. أقيم المؤتمر من 17 إلى 21 الشهر الحالي، ونظمته هيئة الصحة بدبي، بالتعاون مع الاتحاد العالمي لأمراض القلب، وجمعية القلب الإماراتية. ويقام هذا المؤتمر عادة كل عامين في موقع مختلف من العالم، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الحدث، الذي يمتد لأكثر من 62 عاماً، التي يتقرّر فيها عقده في الشرق الأوسط، ودولة عربية هي الإمارات. يقول رئيس الاتحاد العالمي لأمراض القلب البروفيسور سيدني سميث جونيور جيم إن المؤتمر سيلعب دورا حيويا في مساعدة ممثلي البلدان المتقدمة والنامية لتبادل العلم وبناء القدرات، وتنمية الشراكات التي تساعد في مكافحة أمراض القلب والأوعية الدموية التي تعد القاتل الأول في العالم. مشيرا إلى أن المؤتمر ناقش 1176 ورقة عمل من 95 دولة، قدمها 570 متحدثا ورؤساء منظمات القلب من 79 دولة. وأضاف أن "المؤتمر تضمن أكثر من ألف جلسة علمية وورشة عمل قدمها 600 متحدث من مختلف دول العالم، تتناول كافة الجوانب المتعلقة بأمراض القلب والشرايين، من حيث الوقاية والتشخيص والعلاج، حيث ناقش خلال جلساته العلمية عددا من المحاور المتعلقة بأمراض صمامات القلب، وأمراض الشرايين التاجية، والأساليب الحديثة لعلاجها عن طريق الجراحة أو بواسطة البالونات والشبكات التي تزرع داخل شرايين القلب، وطرق تشخيص أمراض القلب بواسطة الأشعة، أو الموجات الصوتية، فضلا عن مناقشة الأساليب العلاجية الحديثة لبعض الحالات المرضية الصعبة". 3 دراسات مثيرة استعرضها المؤتمر ضمن مئات الدراسات التي طرحت، أولها أجرتها جامعة هارفارد حول التخفيضات الطوعية للقطاع الصناعي في محتوى الملح، وفرض الضرائب على المنتجات التي تحتوي عليه في 19 بلدا ناميا تمثل أكثر من نصف سكان العالم، حيث أدى ذلك إلى خفض الوفيات بنسبة 2 3%. ويعلق أستاذ مساعد في كلية الطب في هارفارد الدكتور توماس جازيانو قائلا "في البلدان النامية حيث عبء الأمراض القلبية الوعائية هو الأعلى، يمكن لهذه الخطوات البسيطة أن توصل إلى أثر مهم على المدى الطويل"، مشيرا إلى أن ذلك يساعد الحكومات على معالجة الزيادة في تكاليف الرعاية الصحية. الدراسة الثانية قدمها الطبيب أذين علي زادة، وتناولت العلاقة بين نوع المولود وإصابة الأم بأمراض القلب، وتوصلت إلى تزايد فرص إنجاب الإناث عند السيدات اللائي يعانين من أمراض القلب أكثر من فرص إنجابهن الذكور، حيث بينت الدراسة أن ثلاثة أرباع المواليد الذين يبلغ عددهم 216 طفلا أنجبتهم 200 سيدة يعانين من أمراض القلب كانوا إناثا. وعلقت مديرة الشؤون العلمية بالاتحاد العالمي لأمراض القلب كاثرين توبيرت، وقالت "الشائع أن الكروموسومات الموجودة في السائل المنوي عند الرجال هي المسؤولة عن نوع المولود، ولكن هذه الدراسة تثبت احتمال وجود علاقة بين الحالة الصحية للأم وجنس المولود. ومع تزايد عدد السيدات اللائي يعانين من أمراض القلب في العالم فإن هذه العلاقة تدفعنا لإجراء المزيد من الدراسات". الدراسة الثالثة أجريت في اليمن وأوضحت أن 43% من المرضى الذين أدخلوا للمستشفى وهم يعانون من أمراض القلب الروماتيزمية كانوا يعانون كذلك من التضيق التاجي الروماتيزمي أو من ضيق في فتحة الصمام التاجي للقلب، وأكثر من نصفهم كانوا يعانون من تضيق شديد، وذلك يؤكد أن المرضى يراجعون الطبيب في وقت متأخر لعلاج أمراض القلب الروماتيزمية، بعد أن يكون المرض في مراحل متأخرة جدا. ودعت الدراسة إلى إقرار برامج فحص أمراض القلب الروماتيزمية، وتطبيق برامج الوقاية لتلافي الوصول إلى المضاعفات الخطيرة. وعلق رئيس جمعية القلب في الإمارات الدكتور فهد باسليب وقال "من الممكن الوقاية من أمراض القلب الروماتيزمية بكل سهولة، وذلك باستخدام البنسلين، وهو علاج رخيص ومتاح ومتوفر بكل سهولة". وأضاف أن "هذه الأمراض أحد أسباب النوبات القلبية المتكررة، وأن مرض الحمى الروماتيزمية يتطور بشكل مستمر ما لم يتم الكشف المبكر عنه، حيث يسبب أضرارا في صمام القلب، ويجعل المرضى بحاجة إلى عمليات جراحية لاستبدال الصمامات التالفة". ويقول جراج القلب المتخصص في جراحة الأطفال، مدير مركز الطب الوطني لعلاج الأطفال في واشنطن جيرارد مارتن "رائع أن تهتم دبي بهذا المؤتمر، هذا مكان جيد جدا لإقامة مؤتمر عن هذا الموضوع، لقد جئنا لتسليط الضوء على مشاكل أمراض القلب، ويأتي هذا في توقيت مناسب، لأنه لم يكن هناك اهتمام في السابق بأمراض القلب، خاصة تلك المتعلقة بالأطفال، فهذه اللقاءات تساعد على تبادل المعرفة والدراسات والتجارب حول العالم، وإيجاد أنسب الطرق لتوفير الرعاية الصحية". وأضاف أن "من الصعب عليّ كطبيب أن أجد المرض ينتشر بصورة مخيفة لعدم وجود التوعية المناسبة، وهذه المؤتمرات فرصة لزيادة الوعي لدى الناس، حتى بين الأطباء أنفسهم بأهمية الكشف والتدخل في الوقت المناسب قبل التعقيدات التي تستلزم خبرة طبية في التعامل معها"، مشيرا إلى أنه حرص في محاضرته على توضيح أهمية الكشف الطبي على الأطفال في مرحلة مبكرة، لمعرفة ما إذا كان لديهم عيوب خلقية لعلاجها قبل أن تستفحل. وتطرق الدكتور مارتن إلى الأنماط المشتركة في الغذاء بدول الخليج، ودورها في تزايد معدلات أمراض القلب، وقال "انتشار الطعام غير الصحي، ونمط الحياة المرفهة في الخليج يؤديان إلى زيادة الوزن، وبالتالي زيادة أمراض القلب"، مشيرا إلى أن النمط غير الصحي في الغذاء أكثر أسباب أمراض القلب في أميركا، خاصة لدى صغار السن. وشهدت فعاليات المؤتمر بثا مباشرا لعلاج حالتين مرضيتين معقدتين من غرف القسطرة القلبية في مستشفيات هيئة الصحة بدبي إلى قاعات المؤتمر، إحداهما لتغيير الصمام الأبهر عن طريق القسطرة، والثانية لزراعة دعامة للقلب قابلة للذوبان بعد تسعة أشهر، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها بث مثل هذه العمليات إلى قاعات المؤتمر. وقال استشاري ورئيس قسم القسطرة بمستشفى دبي الدكتور طالب مجول، إن "الحالة الأولى كانت لمريضة تبلغ من العمر 74 سنة تعاني من تضيق شديد في الصمام الأبهر، وراجعت عددا من المراكز الصحية في بريطانيا وألمانيا للعلاج، وكان قرار الأطباء إجراء عملية جراحية لها، إلى أن جاءت إلى مستشفيات هيئة الصحة بدبي"، مشيرا إلى أن الأطباء قرروا تغيير الصمام الأبهر لها بدون تداخل جراحي، وبدون تخدير بعد إجراء الفحوصات اللازمة. استشاري ومدير مختبر القلب بالدوحة الدكتور سمير خليفة يرى أن الميزة الرئيسية للمؤتمر ربط الطبيب بالأشياء الحديثة والخطوات المتفق عليها عالميا في أمراض القلب، وخصوصا في الأزمات القلبية، لأنها القاتل الأول في كل العالم، حيث تعتبر الأزمات القلبية السبب الأول في الوفيات. وأضاف "على سبيل المثال عند علاج الشرايين التاجية وتوسيع الشرايين ووضع دعامات هناك توصيات جديدة لمدة عمل القسطرة والدعامة للحفاظ على قوة عضلة القلب، وهناك أيضا أدوية جديدة مضادة للتجلطات كالإسبرين في الماضي، حيث ظهرت أدوية حديثة تحقق فائدة أكبر للمريض.