على غير العادة خلت مواقف سيارات الأجرة قرب منفذ الحديثة شمال المملكة من أي ركاب ينوون السفر تجاه سورية، فيما بقيت المركبات لأكثر من 3 ساعات رصدتها "الوطن" ميدانيا دون حراك في انتظار المسافرين الذين لم يظهر أحد منهم منذ ثلاثة أيام، وهو ما لم يعتد عليه عابرو طريق الشمال الدولي، حيث كانت ساحات تلك المحطات تغص بالمسافرين وبضجيج محركات سيارات الأجرة وباصات النقل. وما يلفت النظر هو خلو تلك المنطقة التي كانت تزدحم بالمركبات السورية من السيارات، إلا من أعداد قليلة يمكن للشخص عدها على أصابع يده الواحدة. تذاكر مخفضة وأكد أحمد الصعيدي، موظف بأحد مكاتب السفريات الخاصة أن حركة خط القرياتدمشق قد توقفت بشكل شبه تام، وقال "هبط مستوى الطلب على تلك المحطة بنسبة عالية تداعيا مع الحالة الأمنية التي تشهدها سورية هذه الأيام"، واصفا حركة السير بالبرود التام، وعن سعر الرحلة قال " يتفاوت سعر المقعد بحسب المنطقة المراد السفر إليها، لكنه لا يزيد عن 250 ريالا للراكب الواحد،" مبيناً أن هناك محطات كحمص والمناطق الساخنة لا تتحرك لها سيارات الأجرة بتاتا تخوفا من الأوضاع غير الآمنة هناك. مخاطر الطريق ومن جهته قال ل"الوطن" محمد اليامي (مالك سيارة أجرة) "ما زلنا ننقل ركابا يرغبون في الذهاب إلى دمشق وغيرها، لكنهم ليسوا سعوديين أو خليجيين"، لافتا إلى خطورة الوضع الأمني ومخاطرة السفر، مضيفا "أنقل الركاب الذين تقلصوا بنسبة تتجاوز 80% إلى الحدود السورية وأعاود طريقي مرة أخرى، قبل أن أصل إلى داخل الأراضي السورية،" مشيرا إلى مشاهداته لحواجز أمنية ونقاط تفتيش دون أن تعترض طريقه مما جعله يقرر عدم العودة مجددا، لكنه استدرك بقوله "هي مجازفة، وطلب الرزق يحتم عليّ السفر ونقل الركاب". ويتفق السائق السوري محمد العرسان مع ما ذكره اليامي من انخفاض حركة السفر على الطريق المؤدي إلى دمشق، وقال "ننتظر من 3 – 5 أيام حتى نجد راكبا يرغب بالسفر إلى هناك، وجلهم من السوريين،" مؤكدا وجود الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش والتدقيق عند الدخول إلى المنافذ السورية، مرجعا عدم وجود طلب من غير السوريين على السفر إلى الأوضاع الأمنية هناك، داعيا أن يعود الأمن والطمأنينة إلى بلده كما كان. ويذكر محمد المصري ( صاحب سيارة أجرة) أن مركبته قد طال بقاؤها في انتظار الركاب، حيث تراجع الطلب على خط السير الشامي بأكثر من النصف على الرغم من تدني أسعار النقل التي تقلصت مع تناقص الطلب. تأثر تركي ويؤكد مالك مكتب تخليص (سلامة معازر) أن الأوضاع الراهنة التي تشهدها سورية قد أثرت بشكل كبير على الواردات من بلاد الشام، وخاصة تركيا، إذ تقلصت الإيرادات التركية بشكل مهول جراء المخاوف والإجراءات التي تعترض البرادات القادمة إلى المملكة مرورا بالأراضي السورية، مضيفا "كان يصل ما معدله 30 برادا للمنتجات التركية بكافة الأشكال والأنواع في اليوم الواحد، إلا أنه في ظل ما يحدث في سورية قد لا يصل إلى المنفذ سوى 10 برادات أو أقل"، معتبرا أن ما تنتجه سورية والأردن ولبنان من الفاكهة الموردة إلى المملكة هو إنتاج موسمي، وبالتالي فهو قليل التوريد، خاصة أنه يبدأ بعد نحو شهر من الآن، لافتا إلى الطلب المتزايد للمنتج التركي الذي تقلص إلى أكثر من النصف، خاصة ما يتم توريده من المفروشات والملابس والأدوات الكهربائية التي تشهد رواجا في المملكة. كما أكد عبدالعزيز الرويلي التأثر الواضح فيما يختص بكل ما هو وارد مرورا بأراضي المملكة وخاصة من لبنان وتركيا، مشيرا إلى أن انحسار الواردات وصل إلى ما يقرب 70% ، مما أثر بشكل واضح على حجم حركة العمل اليومي للمكتب وبقية المكاتب العاملة بالجمرك، مضيفا "إن عدم تجديد تأشيرات القدوم للسائقين، أو ما يعرف بفيزة الدخول، قد جدد معاناة قدومهم إلى المملكة ونقل بضائعهم المصدرة". كما أوضح ل"الوطن" أحد مديري مكاتب التخليص الخاصة بالمحركات والنقل الكبيرة أن مكتبه قد تأثر بالفعل مما يحدث حاليا في سورية، حيث تراجعت إيرادات المبيعات إلى مستويات متدنية بالفعل. مغادرة وعلى الرغم من العلاقات المتميزة للكثير من العائلات السعودية في شمال المملكة وروابط النسب وغيرها مع العائلات السورية، خاصة في أرياف دمشق ودير الزور والكسوة وحمص الملتهبة، إلا أن استجابتها كانت مبكرة للرحيل من سورية بشكل عام مع بداية الأزمة، سواء كان المواطنون قد قصدوا سورية للنزهة أو لزيارة عائلات بعينها، حيث يقول المواطن (خ ، ك) "اعتدت الذهاب إلى سوريا كوني متزوجا من هناك، إلا أنه بعد تفاقم الأوضاع واستجابة لنداء الخارجية السعودية لمواطنيها بالعودة إلى المملكة قررت الخروج من سورية نهائيا بصحبة عائلتي، وكان ذلك في وقت مبكر، حيث لم نتعرض لمضايقات تذكر، وذلك عبر حدود نصيب السورية المحاذي لمنفذ جابر الأردني"، ويشاطره (ث، س) الرأي بقولنه "أنا متزوج من إحدى العائلات السورية المعروفة بريف دمشق، لكنني قررت منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأحداث هناك عدم العودة مرة أخرى في ظل هذه الظروف،" مضيفا "كنت أعتمد في سفري على خطوط الطيران حتى قبل تدهور الأوضاع في سورية على الرغم من قرب الحدود السورية السعودية"، واصفا مسألة عودته وزيارته سورية بالمستحيلة في الوقت الراهن على الأقل، مشيرا إلى أن وسيلة الاتصال المتاحة لعائلته بذويها هي الهاتف المتنقل فقط. ويشير مواطن آخر إلى أن الدولة أعزها الله قد وقفت مع مواطنيها في هذه الظروف، خاصة ممن لهم أبناء أو زوجات في سورية، حيث سهلت لهم أمر العودة السريعة والعاجلة من خلال سفارة المملكة هناك، مؤمنة لهم تذاكر الطيران والعبور إلى المملكة، وهو فرح بعودة زوجته رغم تعقد الإجراءات من الجانب السوري في أمر عودتها. الأزمة والفنادق من جانبه، كشف مالك أحد الفنادق الخاصة على طريق الشمال الدولي تراجع حجوزات الفندق منذ اندلاع الثورة في سورية، حيث أصبحت غرف الفندق شبه خالية من المسافرين الذين كان يغص بهم الفندق قبل الأحداث، مستثنيا الزبائن الذين يرغبون في مواصلة طريقهم إلى العاصمة الأردنية عمان للعلاج أو الدراسة أو للتنزه، حيث يقضون بعض الوقت للراحة قبل إكمال خط سيرهم المراد، أو الذين ينوون التوجه إلى مطار الملكة علياء الدولي باتجاه لبنان أو تركيا وغيرهما من الدول، مشيرا إلى أن حجوزات ما قبل الأزمة كانت كبيرة جدا قبل تراجعها إلى الثلث، حسب وصفه، رغم العروض التي يقدمها الفندق في الفترة الأخيرة. محطات السفر تعاني إلى ذلك، قال رجل الأعمال حمود خلف العنزي: بالفعل لم يعد الطلب على تاكسي الشام كما كان، إذ أصبح عدد الركاب يعد على أصابع اليد الواحدة خلال الأسبوع، مرجعا أسباب ذلك إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه سورية هذه الأيام وعدم رغبة غير السوريين في الذهاب إلى هناك، تماشيا مع ما صدر أخيرا حول عدم السفر إلى هناك وعودة الذين مازالوا في سورية إلى المملكة، مضيفا: نحن كمكتب معتمد نقول هذه الإحصائية، كوننا نقوم بتسجيل المسافرين وعناوينهم وأرقام السيارات الناقلة وهواتف المسافرين، ضمانا لوصول زبائننا إلى وجهتهم سالمين. موجها اللوم إلى وجود مكاتب وسيارات أجرة خاصة تقوم بنقل المسافرين بطريقة غير شرعية وغير منظمة، مضيفا: سبق أن طالبنا الجهات الأمنية بالتصدي لمثل تلك الممارسات الخاطئة التي من شأنها الإضرار، ولو عن غير قصد، بالوضع الأمني. ويضيف العنزي: يجب أن تلزم تلك المكاتب بتسجيل أسماء المسافرين وبياناتهم والرفع بها للجهات الأمنية. مطالبا أن تتدخل الجهات المعنية في منع غير النظاميين من مزاولة ذلك العمل غير النظامي. تغيير الوجهة مواطنون أكدوا ل"الوطن" أن سورية باتت اليوم هي الخاسر الأكبر جراء ما يحدث على أراضيها من قتل وترويع للآمنين، وهو ما أصاب السياحة الداخلية هناك في مقتل، آملين أن تعود سورية كما كانت مقصدا لكثير من الخليجيين والعرب في كل مواسم الإجازات، مستذكرين مناطق الاصطياف الجميلة التي كانوا يقضون فيها مواسم عطلاتهم السنوية كالزبداني ومشتى الحلو واللاذقية وصلنفة وطرطوس، وهي مناطق كانت ملتقى لكثير ممن يرتادون سورية قبل أزمة الأحداث الأخيرة، مما جعلهم يغيرون الوجهة السياحية، مثلما يقول سلطان الشمري "إن الأردن باتت هي الوجهة الوحيدة لنا نحن أبناء الشمال على وجه الخصوص، بحكم القرب المكاني، حيث نجد الأمن والأمان، باعتبارها منطقة معروفة لدينا مسبقا، وبحكم تقارب العادات والتقاليد، ناهيك عن رغبة البعض في السفر جوا لمناطق أخرى بعيدا عن المرور بالمنافذ السورية مثل لبنان وتركيا ودول أوروبا". معاناة العابرين ولم تعد مخاطر العبور عبر المنافذ السورية حكايات تذكر أو تحذيرات تنقل عبر وسائل الاتصال الحديث، بل أصبحت واقعا ملموسا مشاهدا، فلم ينس أهالي القريات حادثة مقتل معلم الشاورما الشهير بالمحافظة وذلك خلال عودته من تركيا إلى القريات عندما تم قتله وسرقة سيارته، حيث تداول الأهالي مقطعا مصورا لعملية قتله التي تمت بدم بارد فيما كان ابنه "أفق" ينتظر عودته في مطعمهم الشهير بالقريات! تحذير حكومي وكانت المملكة قد دعت رعاياها إلى مغادرة سورية والعودة إلى المملكة وعدم الذهاب إلى هناك بعد تنامي العنف، حفاظا على سلامتهم، إضافة إلى سحب الكثير من الدول العربية لسفرائها من دمشق، احتجاجا على ما يحدث من تنام للعنف هناك، وهو ما دعاها إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الاستباقية.