اجتاحت رياح التغيير عدداً من الدول العربية، خاصة مصر ذات الثقل السياسي والاقتصادي والسكاني، وبوابة العرب في مواجهة الغول الإسرائيلي، حيث نجحت معظم الثورات في دك قلاع الظلم والاستبداد في بعض أرجاء الوطن العربي. وقد ظهرت بعض السلبيات التي رافقت الثورة في بعض البلدان خاصة مصر، فبعد القبضة الحديدية الأمنية التي مارسها النظام المصري السابق طيلة فترة حكمه الطويلة، والتي أفرزت صراعاً خفياً بين أنصار الماضي وثوار الحاضر، خاصة مع بداية محاكمة الرئيس المخلوع. نعم الثورة نجحت في إعادة ثقة المواطن المصري بنفسه وقدرته على التغيير، لكن بعض فلول النظام السابق وبعض الانتهازيين وتجار السلاح وجدوا مرتعاً خصباً للنمو والانتشار السريع خاصة بعد اندلاع الثورة الليبية وتسلل عدد كبير من فلول النظام الليبي المنهار. مصر، الحضارة وصاحبة الدور الريادي في حل كثير من المشاكل الإقليمية والدولية التي تواجه العالم العربي والإسلامي، ولكن في ظل نظام مبارك السابق كان الدور السلبي واضحاً للعيان وانعكس ذلك بصورة واضحة على دول الجوار خاصة السودان، وهو العمق الأمني لمصر والوطن العربي ككل، وهذا المفهوم لم يكن غائباً عن ذهنية معظم الحكومات المتعاقبة على حكم مصر، فمنذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ومروراً بفترة الرئيس السادات، وإلى عهد الرئيس السابق حسني مبارك لم يغب عنهم خطورة تقسيم السودان، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية في كافة المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، على البلدين خاصة، والعالمين العربي والإسلامي عامة. فنتيجة للخلافات بين الحكومتين السودانية والمصرية في بداية حكم الرئيس السوداني عمر البشير، وتباين مواقف البلدين حول كثير من القضايا الدولية في ذلك الوقت، تراجع الدور المصري في مواجهة المخاطر التي تواجه القارة السمراء، خاصة جنوب السودان، فوقع الانقسام ووجدت إسرائيل ضالتها "منابع النيل" فأصبحت ترتع وتمرح بكل سهولة ويسر في جنوب السودان، وهي من أوائل الدول التي اعترفت بدولة جنوب السودان الوليدة، وللأسف اتجهت حكومة الجنوب بعد تشكيلها بفترة وجيزة إلى تطبيع علاقتها مع إسرائيل مباشرة، وبدأت بينهما الزيارات المتبادلة، وكان الأجدر بالدولة الوليدة التي هي في حاجة ماسة للدعم المالي والاقتصادي أكثر من حاجتها للدعم العسكري الإسرائيلي، أن تتجه لترسيخ وتقوية علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي، لا أن تضرب بمستقبل علاقتها معهما عرض الحائط. مصر ما زالت قادرة على أن تلعب دورها الكبير، وحتى يتسنى لها ذلك لا بد أن تنعم بالأمن والاستقرار الداخلي، وأن ينعم شعبها بالسلام الاجتماعي، وأن تتماسك الجبهة الداخلية، وأن يسعى الجميع لضبط النفس، نعم من حق ذوي شهداء الثورة المطالبة بقضاء عادل وما ينتج عنه من تعويض مادي ومعنوي وبالتالي تعود الثقة الكاملة بالقضاء المصري المستقل، خاصة أن مصر غنية جداً بعمالقة خبراء القانون العام والخاص، وحتى يتسنى لقضائها أن يقوم بواجبه بشفافية كاملة لا بد من مناخ سياسي معافى يتيح للجميع العمل بحرية كاملة، في ظل رقابة إعلامية جادة، حتى يقطع الطريق أمام الأيدي الخفية التي تسعى جاهدة لزعزعة الاستقرار وإحداث فوضى عارمة تقضي على الأخضر واليابس، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على العالمين العربي والإسلامي، خاصة في ظل العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة. وحتى ينعم الجميع بالحرية وراحة البال في شتى دروب الحياة، العقائدية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، كان لا بد من التمييز الواضح بين الديموقراطية والفوضى .. لأن بينهما شعرة.