تقدم " اقتصادات المعرفة" ملفات التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي نهاية عام 2012. وناقش مثقفون وأكاديميون وباحثون متخصّصون ورؤساء تحرير عرب، ملفات التقرير في اللقاء التحضيري الذي انعقد على مدى يومين بفندق كراون بلازا في بيروت، عبر ست جلسات كان محورها اقتصادات التعليم والمعلوماتية والتأليف والنشر والإبداع والحصاد السنوي. واستهل الأمين العام لمؤسّسة الفكر العربي الدكتور سليمان عبدالمنعم اللقاء، بتقديم نبذة عن التقرير السنوي للتنمية الثقافية واقتحامه ميادين المعرفة رصداً وتشخيصاً وتحليلاً، وأشار إلى اختلاف منهجية التقرير هذا العام والربط بين الاقتصاد والثقافة، وارتكاز المعالجة على المكوّن الاقتصادي في الملفات الرئيسة المتعلقة بالتعليم والمعلوماتية والإبداع والتأليف والنشر والحصاد السنوي، بهدف الوصول إلى مؤشّرات علمية واضحة تتعلق ب"اقتصادات المعرفة" في مجتمعاتنا العربية بوصفها محركاً للإنتاج والنموّ والإبداع. وختم بنقل تحية وتقدير رئيس المؤسّسة الأمير خالد الفيصل رئيس المؤسّسة للمشاركين في بلورة وصياغة التقرير العربي السنوي. وتقاطعت المداخلات خلال الجلسة الافتتاحية حول دور اقتصادات المعرفة بوصفها توجهاً حديثاً تشهده المجتمعات العربية التي تتحوّل من اقتصاد الصناعات واقتصاد المعلومات نحو الاقتصادات المعرفية، وأجمع المشاركون على غياب الاستراتيجيات الثقافية العربية لجهة السياسات الثقافية والصناعات، وأثاروا قضية شّح الإنفاق على البحث العلمي الذي يُعيق وصول العرب إلى مجتمع المعرفة، بعد أن ناقشوا أسس ومعايير اقتصادات المعرفة والإنفاق الحكومي والاستثماري على هذا القطاع، واقتصاديات التعليم والبحث العلمي، وبحثوا في الاستراتيجيات الثقافية العربية وكيفية إنتاج المعرفة في مجتمعاتنا والمخصّصات السنوية العربية للثقافة والمعرفة، إضافة إلى اتجاهات الاقتصاد القائم على المعرفة، وعلاقة المعرفة باللغة القومية والتراث. الباحث المغربي عبد الإله بلقزيز رأى أن الاقتصاد المعرفي هو لحظة لاحقة على الاقتصاد الصناعي والتقني، لحظة عليا في تطور النظام، وأكد أنه لا سبيل لإنجاز تقرير علمي من دون الإطلالة على مسألة اللغة والمعرفة، مشيراً إلى أن المعرفة تأخذ معاني مختلفة بوصفها إنتاجاً للأفكار وهي صعيد أو نصاب داخل الثقافة، أما الثقافة فهي أوسع مدى من المعرفة وهي جملة متّسقة من الفعاليات. واعتبر الكاتب المصري سيد ياسين أن المجتمع العربي لم يصل بعد إلى مرحلة اقتصاد المعرفة وهو ينتقل ببطء من مجتمع المعلومات الذي لم تكتمل أفكاره بعد، مشيراً إلى أن التحول إلى مجتمع المعرفة له ثلاثة شروط هي: الديموقراطية والشفافية وحرية تداول المعلومات، وكلّها غير متوفّرة في مجتمعاتنا. مستشار العلوم والتكنولوجيا في منظمة الإسكوا الدكتور محمد مراياتي، ركّز على دور الثقافة في الناتج المحلي والتنافس الدولي في مجال الثقافة كقطاع منتج، لافتاً إلى ضرورة تحويل المخرجات من مفهوم إلى ثروة، فيما أكد مستشار شؤون التخطيط الاستراتيجي في العراق حسن الرزو على دور المعرفة والتقنية في مجمل العمليات الاقتصادية وقطاعات خدمات المعرفة، ودعا دكتور حسن مصطفى رجب إلى إعداد دليل للمعرفة الاقتصادية العربية. غياب المشروع اللغوي العربي استحوذ على جزء واسع من النقاش، إذ ربط الدكتور عبدالسلام المسدي "تونس" مجتمع المعرفة باللغة منتقداً غياب المشروع اللغوي القومي، فيما أكد الدكتور نادر سراج وجود اقتصادات لتسليع وإضعاف اللغة العربية وتمادٍ في "لهجنة" و"أربزة" هذه اللغة، داعياً لإعادة التوظيف في مجال الثقافة الشعبية. وأشار خبير المعلوماتية الدكتور خالد الغمري إلى مسألة "تسليع" اللغة وخلق ما يسمى برأس المال اللغوي أو اقتصادات اللغة، لافتاً إلى أن الغرب استفاد إلى أقصى الدرجات من هذا الرأسمال، خصوصاً الشركات العملاقة مثل "جوجل" التي تبيع الكلام بملايين الدولارات، فيما لا يزال قاموس أوكسفورد الذي يستخدم اللغة كوعاء للثقافة، يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الإنكليزي، إلى جانب استخدامات اللغة العربية في مستويات كثيرة هي في صلب استثمار اللغة كاقتصاد. وتوقف أمين عام جائزة الملك فيصل عبدالله العثيمين عند قضية إلغاء المناهج العربية من مدارس في دول الخليج، وسأل عن العقلية التي سيفكر فيها جيل لا يُتقن حروف لغته، كما توقّف حول ما تنفقه الحكومات على المعرفة وسأل هل يذهب إلى وجهته الصحيحة أم إلى جيوب المنتفعين. واستكمل اللقاء التحضيري في اليوم الثاني أعماله بثلاث جلسات حول اقتصادات حركة التأليف والنشر واقتصاد المعلوماتية واقتصادات الإبداع.