لا تزال المنطقة التاريخية تحتفظ بلقبها الذي عرفت به وهو "شريان ونبض جدة التجاري والسياحي"، وهو اللقب الذي أطلقه عليها زوارها العالميون، وما إن تطأ أقدامهم أرض العروس حتى تكون المنطقة التاريخية على قائمة أجندتهم، سواء للتبضع، أو الاستمتاع السياحي بعبق تاريخ هذه البقعة الجداوية التي مزجت بين التاريخ والحداثة العصرية، وأصبح ذلك من أسرار تألقها. "كل معروض للبيع في منطقة البلد التاريخية له أصل وفصل"، كما يقول بائع في أحد أكشاك بيع البخور، والعود، والعطور، وهو محمد المريسي الذي يعمل في مهنته منذ 15 عاماً في أحد أركان "الخاسكية"، المعروف بأنه "سوق عطور ذوي الدخل المحدود". كان محمد يتحدث إلى "الوطن" وهو في مفاصلة شرائية مع أحد زبائنه وقال:" إن ميزة سوق العطور في البلد أن البضائع مفصلة تماماً على جميع الطبقات الاجتماعية من حيث نوعية العطور التي تتوفر من جميع الأنواع والماركات، وكذلك من جهة الأسعار المناسبة لكل الطبقات". "نقيب بائعي" العطور في منطقة البلد، كما يحب أن يطلق عليه أصحاب مهنته، محمد مهدي الذي تمتد خبرته في بيع العطور بالمنطقة التاريخية لأكثر من ثلاثة عقود، يقول إن المنطقة وقعت في دائرة "اهتمام الشركات الأم الأوروبية والأميركية المتخصصة في العطور، باعتبارها سوقا استهلاكيا للذين يتوافدون على هذه البقعة بين فترة وأخرى للتأكد من وجود منتجهم العطري. ويدافع مهدي عن مكانة سوق منطقته التاريخية في ظل وجود مراكز بيع عالمية متخصصة في صناعة وبيع العطور، مؤكدا أنها حافظت على موقعها كمركز لزبائن كثر ما زالوا يترددون عليها لشراء عطورهم منها لأكثر من عشرين عاماً، مؤكدا أن أغلب صفقات العطور ما زالت تعقد في كواليس هذه المنطقة مع تجار من خارج البلد لتوريد العطور لبلدانهم. وهذا دليل على أهمية هذا السوق. وأشار إلى ميزة أخرى خاصة تمتاز بها المنطقة، وهي رخص أسعار العطور التي تكون عادة أقل 40 % من مراكز البيع الأخرى المنتشرة في أصقاع المدينة الساحلية، جدة، وهي الخاصية التي تعطي سوق المنطقة التاريخية بعداً حيوياً آخراً. "عطوري تسبق حضوري" لوحة كتبت بخط "الثلث"، ملصقة بإحدى البسطات التي تباع فيها العطور، يقول صاحبها، صاحب التميمي، الذي يجاور أحد المراكز التجارية الكبيرة المتخصصة في العطور إنه اقتبس هذا البيت من محرك البحث الشهير على شبكة الإنترنت "جوجل" حول أفضل بيت شعر كلاسيكي يتحدث عن العطور. ويؤكد التميمي أن هذه المنطقة تتمتع "بكاريزما محلية وعالمية" في نفوس المشترين، سواءً كانوا من النساء أو الرجال، أو حتى الجيل الجديد من الشباب. أبيات الشعر التي تتحدث عن العطور وجدت لها فسحة كبيرة في المنطقة، بدت في شكل "سباق محموم" بين الباعة ومراكز البيع المنتشرة لاستقطاب الزبائن، وتنوعت بين شعبي وكلاسيكي، فأحدهم كتب على بضاعته عبارة "يللي جمالك زاد بريحة عطرك"، وآخر استعان بالشاعر نزار قباني وكتب تعبيرا من إبداعه وهو "من قارورة العطر خرجت"، وآخر كتب بيتا يقول:" قارورةَ العِطْرِ حَسْبي أنْ أُناجيكِ".