مع بدء العام الجديد الذي سيشهد المهرجان الملون المسمى بالانتخابات الرئاسية الأميركية، لا تزال الاسئلة التي تطرح قدرة الرئيس باراك أوباما على الفوز بفترة انتخابية ثانية، تتردد بإلحاح في الحلبة السياسية الأميركية وإن كانت الإجابات التي تقدم تتغير ببطء قد لا يكون ملحوظاً. فقبل شهرين فقط كانت الأصوات التي تؤكد صعوبة فوز أوباما بفترة ثانية أكثر علواً مما تبدو عليه الآن. ومن المؤكد أن الحزب الجمهوري ينتقل بصفة عامة من مواقف يمينية إلى مواقف أكثر يمينية. وتبدو هذه العملية أكثر وضوحاً خلال العقدين الماضيين مما كانت عليه قبل ذلك. ويحذر كثيرون أن ذلك لابد أن يصل في نهاية المطاف إلى نهاية الحزب الجمهوري كما يعرفه العالم؛ باعتباره حزب وسط يميني بقدر ما يوصف الحزب الديموقراطي بأنه حزب وسطي يساري. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تبدلات عميقة على البنية السياسية في الولاياتالمتحدة أبعدها مدى، ظهور قوة سياسية طفيلية بملء الموقع الذي سيخلو على الساحة السياسية من تحول الجمهوريين إلى اليمين المتشدد، وأقربها نجاح باراك أوباما في انتخابات العام الذي يوشك أن يبدأ. وكان صعود المرشح الجمهوري ميت رومني يخلو من منغصات وجود منافس قوي مثل نيوت جيننجريتش. أما الآن فإن جينجريتش يقسم القاعدة الجمهورية إلى "ايديولوجيين" يؤيدونه في مواجهة معتدلين – بصورة نسبية – يدعمون منافسه الأول رومني. فضلاً عن ذلك فإن مرشحاً سابقاً مثل الملياردير دونالد ترمب يفكر مع آخرين في خوض الانتخابات كمرشح ثالث، ويتعرض مرشح صاعد جديد هو رون بول باتهامات معاداة السامية والتطرف العرقي والسياسي. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة احتمالات بقاء باراك أوباما في البيت الأبيض لأربعة أعوام أخرى. ذلك أن "مؤسسة" الحزب الجمهوري سلكت المسار الأيديولوجي المألوف في تلك الحالات وصولا إلى حالة من التطرف الفكري المتزايد. فبعد التخلي عن أصوات معتدلة نسبياً مثل جون ماكين، تشكل حزب الشاي الذي يكاد يشبه الحرس الثوري في إيران أو شباب الكتاب الأحمر في الصين إبان الثورة الثقافية. فقد أخذت تلك المؤسسة تخطو تدريجياً في اتجاه البحث عن "النقاء الأيديولوجي" ودفعها هذا إلى الانتقال من دعم رومني تدريجياً إلى دعم جينجريتش. ولو وجد مرشحاً أكثر تطرفا الآن فإنه قد يجد نفسه مضطراً إلى المزايدة على جينجريتش لإقصائه أيضا عبر تبني مواقف أكثر تطرفاً. إلا أن عملية التحول من دعم رومني إلى دعم جينجريتش لم تكن نموذجية بأي حال. فالقيادات الفكرية الأيديولوجية في الحزب الجمهوري لا تزال منقسمة بين الاثنين. ويفسر ذلك تبادل القصف بين المرشحين على الرغم من اتفاقهما السابق على تجنب الهجوم الشخصي والمشاركة معا في انتقاد أوباما. أما الصف الثاني من القيادات فإنه يذهب عادة لأكثر العناصر تطرفا؛ إذ تدفعهم قناعاتهم الأيديولوجية إلى تخصيص قدر أكبر من الوقت والجهد لعمل الحزب بالمقارنة مع أولئك الذين يمارسون دورهم السياسي على هامش حياتهم اليومية.