اختلف خبراء اقتصاديون في حديث إلى "الوطن" حول مسببات الأزمات التي نتج عنها ارتفاع أسعار العقار والمواد الغذائية والسلع المعمرة. ففي حين اتهم عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري التجار بالوقوف خلف ارتفاع الأسعار بسبب الاحتكار، عزا الخبير الاقتصادي علي دقاق السبب إلى تغير الأنماط الاستهلاكية، فيما يرى مدير إدارة الأبحاث والمشورة بشركة البلاد للاستثمار تركي فدعق أن السبب يعود إلى عوامل أخرى من بينها انخفاض سعر صرف الدولار وبالتالي الريال المرتبط به، مما يضعف قوته الشرائية. وقال العمري إن سوق الإسكان أصبح "شبحاً" لا يقترب منه المستهلك بسبب الاحتكار وضعف الرقابة والمحاسبة من قبل وزارة التجارة والصناعة ومجلس حماية المنافسة، الذي يتولى مسؤولية منع أي صورة من صور الاحتكار. وشدد على أن الوقائع الجارية في الأسواق المحلية بمختلف أنواعها تؤكد وجود مشكلة الاحتكار، التي تسببت في صنع العديد من الأزمات التي دفع ثمنها المجتمع السعودي، حيث ارتفعت أسعار تكلفة السكن إلى حد غير معقول. ولفت العمري إلى أن المستهلك وجد نفسه في مواجهة مباشرة وغير عادلة مع التجار، أفضتْ إلى سيطرة الطرف الأخير وفرضه لواقعٍ مبالغ فيه على مستوى الأسعار اللازمة للحصول على أي من تلك السلع أو الخدمات العديمة المرونة أمام المستهلك. وأكد أن السوق المحلي يخلو من المنافسة باستثناء سوق الاتصالات الذي يتمتع بدرجاتٍ أعلى من المنافسة أدّت إلى انخفاض أسعاره على المستهلك النهائي. وأوضح العمري أن الاحتكار ونقص البدائل والخيارات المتاحة من السلع دفعا رب الأسرة لإنفاق أغلب دخله الشهري، واضطراره إلى الاقتراض من أجل تغطية تكاليفه المعيشية، وهو ما انعكس سلباً على فرص تكوين مدخرات طويلة الأجل أمامه. وحول توجهات أنماط المستهلكين السعوديين، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي دقاق:"من الملاحظ أن الاستهلاك العائلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة بدأ يتغير بضغط من انخفاض الدخل الحقيقي بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة". وتابع: "الآن بدأت قناعات لدى المواطنين في التوجه إلى الشقق، بدلاً من الاستقلال في فيلا، وهو ما يعطي مؤشرات على تحول في النمط الاستهلاكي، وبالتالي دعمت هذه التوجهات إخراج تنظيمات جديدة ليست موجودة منذ فترة. وحول حقيقة وجود الاحتكار في السوق السعودي، قال دقاق:"الدولة تحارب هذه القضايا من خلال فتح الاستيراد وفقاً للقوانين المنظمة"، إلا أنه أكد أن الوكالات التجارية تمنح حقا معينا، تحت مسمى الاستفادة من ميزة الاحتكار، لأنه تسبب في فتح هذه الوكالة". وفي سياق متصل، أوضح مدير إدارة الأبحاث والمشورة بشركة البلاد للاستثمار تركي فدعق أن الحكومة تسعى عبر الخطط الخمسية المتتالية والمعلنة إلى تحويل القطاعات الاقتصادية المحتكرة إلى قطاعات ذات منافسة كاملة، لأن ذلك يصب في النهاية في صالح المستهلك. وبيّن فدعق أن قطاع المواد الغذائية ليس محتكرا، وإنما سوق تنافسي غلب عليه تفاوت الأسعار ما بين مورد لآخر، مما صب في مصلحة المستهلكين، مرجعا ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية في الآونة الأخيرة إلى عوامل أخرى ليست ذات علاقة بالاحتكار، منها ضعف سعر صرف الدولار مقارنة بالأعوام الماضية، وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية للريال بسبب ارتباطه به. وشدد على أن وتيرة الاستهلاك ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية بفعل عوامل عديدة قد يكون أهمها انفتاح الأسواق على بعضها البعض، موضحا أن ارتفاع تكاليف المعيشة جعل العديد من الأفراد والأسر تحاول ترشيد الاستهلاك، إلا أن بعض العادات الاجتماعية السلبية تعطي أولوية للكماليات على حساب الأساسيات، مما فاقم من المديونيات على الطبقة المتوسطة. وأوضح فدعق أن وعي رب الأسرة هو المحدد الأساسي للسلوك الاستهلاكي، والذي يكون على حساب الادخار عادة.