تحولت أجواء الهدوء والسكينة التي عاشها بعض أهالي مدينة الدمام إلى أجواء ترقب وقلق جراء تسرب غاز "خانق" من خزان بمقر إحدى الشركات الصناعية "شركة الشرق الأوسط الهندسية المحدودة" الواقعة في الصناعية الأولى بالدمام مساء أول من أمس. وهو ما استدعى تحرك جميع الجهات الحكومية بالمنطقة الشرقية لملاحظة الموقف وتقديره، وتطبيق جهاز الدفاع المدني الذي استنفر جميع فرقه في حاضرة الدمام ليلا إجراءات احترازية طارئة وعاجلة لتفادي أي خطر قد يحيط بسلامة الأهالي بدأها بقطع التيار الكهربائي عن المدينة الصناعية، واستنفار جميع الوحدات المسؤولة عن المواد الخطرة التابعة للدفاع المدني، والاستعانة بفرق أمن وسلامة من شركة أرامكو السعودية، وكذلك هيئة الأرصاد وحماية البيئة، وإرسال رسائل توعوية وتحذيرية للمواطنين عبر وسائل الاتصال المختلفة، وتعليق الدراسة يوم أمس في الأحياء السكنية القريبة من موقع التسرب، ومنع دخول المواطنين والمقيمين إلى ذلك الموقع في نطاق دائرة بلغ قطرها نحو 2 كيلومتر. موقع الحادث في الساعات الأولى من فجر أمس، كانت "الوطن" حاضرة في موقع الحدث الذي شهد تواجدا أمنيا كبيرا، واستنفارا لفرق الدفاع المدني بالدمام وعلى رأسهم مدير عام الدفاع المدني بالشرقية، اللواء محمد الغامدي، وكذلك الهلال الأحمر السعودي، وفريق من هيئة الأرصاد وحماية البيئة، حيث أغلقت الدوريات الأمنية الشوارع المؤدية إلى الموقع على مسافة لم تقل عن 2 كيلومتر. وخلال ذلك التجمع، تعرض اثنان من منسوبي الدفاع المدني إلى حالة اختناق جراء استنشاقهما الغاز المتسرب الذي تصاعد في السماء على شكل سحب دخانية بيضاء، وجرى علاجهما وإسعافهما في الموقع نفسه. بينما اجتمع اللواء الغامدي مع عدد من المسؤولين والمهندسين لبحث ومناقشة ما سيتخذ من إجراءات، وكانت عملية إخلاء السكان في المحيط القريب من موقع التسرب إحدى النقاط التي نوقشت لتطبيقها في حال استدعى الأمر ذلك، إلا أن التطمينات الأولية أبعدت هذا الخيار، ورجحت اتخاذ إجراءات احترازية أخرى تتناسب ومستوى الخطورة والتأثير. رسائل تحذيرية ولإبلاغ الأهالي بما جرى اتخاذه وتوعيتهم وتحذيرهم من خطر الغاز المتسرب، وردت على أجهزة الجوال الخاصة بأهالي حاضرة الدمام تحديدا وبعض محافظات المنطقة الشرقية، رسالة تحمل بيانا جاء في مضمونه، "أنه حدث تسرب مساء الثلاثاء 13 /11 /1432 من موقع شركة الشرق الأوسط الهندسية المحدودة بالمنطقة الصناعية الأولى بالدمام، لمواد كيميائية "مهيجة" للجهاز التنفسي. وحفاظا على سلامة الجميع، فقد تقرر تعليق الدراسة يوم الأربعاء "أمس" لجميع فئات التعليم بمدينة الدمام للأحياء التالية: عبدالله فؤاد، إسكان الدمام، الناصرية، الخالدية الأولى، الخالدية الثانية، الخطوط الحديدية، الريان، الجامعيين، المريكبات، الروضة، مدينة العمال، الأمير محمد بن سعود، الحرس الوطني، الصفا، بترومين، النزهة. كما يهيب الدفاع المدني بالجميع وخاصة قاطني هذه الأحياء، بالبقاء داخل الأماكن المغلقة مع قفل الأبواب والنوافذ، متمنين للجميع السلامة". وتزامناً مع تحذير إدارة الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية من تسرب مواد كيميائية، أوضح مدير إدارة الإعلام التربوي بالإدارة العامة للتربية والتعليم بالمنطقة الشرقية، فهد العنزي عن تعليق الدراسة أمس في عدد من أحياء الدمام، مشيرا إلى أن الدراسة علقت في المدارس القريبة من مصدر التسرب، وقد شملت 25 للبنين و26 للبنات في مختلف المراحل الدراسية، بهدف الحفاظ على سلامة كافة منسوبي تلك المدارس، مؤكداً متابعة الحادثة مع الجهات المختصة حتى يجري التأكد من تلاشي الخطر ليتسنى استئناف الدراسة في تلك المدارس بالشكل الطبيعي. توقيت الإبلاغ بعض الأهالي اعتبر توقيت وصول الرسائل التحذيرية متأخرا، وهو ما برره الناطق الرسمي للدفاع المدني بالشرقية، المقدم منصور الدوسري بقوله ل"الوطن": إن قرار تعليق الدراسة يوم الأربعاء اتخذ بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم في الوقت المناسب مساء أول من أمس، إلا أن وصول الرسائل النصية القصيرة إلى جوالات المواطنين هو الذي تأخر. وأوضح أن الإجراء الذي اتخذ حول تعليق الدراسة كان إجراء احترازيا لسلامة الطلاب والطالبات، مشيرا إلى اتخاذ إجراءات أخرى من أهمها منع التجول والتواجد في دائرة قطرها 2 كيلومتر حول موقع تسرب الغاز، وفي إشارة إلى كمية الغاز الموجودة في الخزان، قال المقدم الدوسري: إنها تقدر بنحو 11 ألف جالون من الغاز، هي سعة الخزان الذي حدث فيه التسرب. مستوى الخطر المقدم الدوسري قال "لم يصل الأمر إلى مرحلة الخطر الفوري لنضطر إلى اتخاذ قرار إخلاء أحياء مدينة الدمام من سكانها"، وتابع "الإصابات التي حدثت لم تتجاوز ضيقا في التنفس، والغاز المتسرب هو عبارة عن خليط من غازات النيتروجين والهيدروجين والكربون، وهذا الخليط يسمى الإيبوكسي، وهو غاز خانق يشكل خطورة في حال انفجاره، ويسبب اختناقا إذا وصل التركيز إلى درجة معينة". اختناق وإصابات نحو 2000 بلاغ واستفسار من المواطنين والمقيمين، تلقتها غرفة بلاغات الدفاع المدني مساء أول من أمس، بحسب المقدم الدوسري، الذي قال: إن الاتصالات كانت تفيد بشعور أولئك المتصلين بوجود رائحة غير مألوفة في الهواء. وكتقديره لحجم الإصابات التي لحقت بالأهالي، أوضح الدوسري أن الإصابات التي سجلت أمس لم تتجاوز أكثر من 6 إصابات بين الأهالي، في حين تعرض 2 من منسوبي الدفاع المدني في الموقع إلى ضيق بالتنفس وجرى علاجهما. مدير العلاقات العامة في الشؤون الصحية، سامي السليمان قال في تصريح إلى "الوطن": إن 4 حالات تعرضت للاختناق وضيق في التنفس وجرى علاجها وخرجت فيما ما زالت حالتان وصفت إصابتهما بالمتوسطة تتلقى العلاج في برج الدمام الطبي نتيجة استنشاق كميات كبيرة من الغاز". من جانبه، قال المتحدث الرسمي لهيئة الهلال الأحمر السعودي، أحمد باريان "إن الهلال الأحمر باشر إحدى الحالات في موقع الحادث بعد إصابة أحد أفراد الدفاع المدني بالاختناق وجرى علاجه في موقع الحادث، بينما نقلت سيارات الإسعاف أحد الطلاب إلى المستشفى لتلقي العلاج وخرج كون الإصابة خفيفة". من جانبها طالبت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بتطبيق القرارات الصادرة من مجلس الوزراء حول نظام إنشاء المدن الصناعية واشتراطات السلامة التي يجب توفرها بحيث تكون في مدن بعيدة عن الأحياء السكنية حفاظا على سلامة السكان في المدن. وأوضح المتحدث الرسمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، حسين القحطاني ل"الوطن" أمس أن الهيئة شكلت غرفة عمليات مشتركة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالحادثة، وأضاف "سارعت الأرصاد وحماية البيئة إلى الاستعانة بأجهزة خاصة لقياس جودة الهواء وتحديد نسبة التلوث بالتعاون من الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي أبدت تجاوبها السريع"، وأشار إلى أن الغازات المنبعثة خاصة بإنتاج عوازل للأسلاك الكهربائية، وأنها تتسبب في بعض المشاكل التنفسية. صفارات الإنذار وكوسيلة يمكن اللجوء إليها في حالات الخطر لغرض الإبلاغ عن أمر ما، قال الدوسري: إن الوضع لم يكن يستدعي استخدام صفارات الإنذار أو اتخاذ قرار بالإخلاء الفوري للسكان، ولو قدر أن الأمر يستدعي ذلك لكنا استخدمنا الخطة الجاهزة لدينا للإخلاء وإسكان الأهالي في فنادق وشقق مفروشة حتى زوال الخطر. ولم يغفل الدوسري عن الإشادة بمستوى وعي المواطنين والمقيمين في التعامل مع الحدث، مضيفا "الحادثة جددت الحديث في التوجيه الذي جاء من أمير المنطقة الشرقية قبل سنة وخمسة أشهر، والذي وجه من خلاله بنقل جميع الشركات في صناعية الدمام الأولى الموجودة داخل النطاق العمراني، إلى خارج النطاق العمراني خلال مدة لا تتجاوز 5 سنوات، وهي المدة التي تبقى منها حاليا 3 سنوات و7 أشهر فقط". وضع مطمئن "الوضع مطمئن".. هي الكلمة الأهم التي يحتاج الناس إلى سماعها في مثل هذا الظرف، وقد جاءت على لسان مدير عام الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية، اللواء محمد الغامدي في تصريحه إلى "الوطن" أمس، حيث قال "إن الوضع مطمئن، وهو تحت السيطرة حاليا، وسينتهي خلال 48 ساعة من الآن تسرب الغاز، حيث سيفرغ تماما الخزان من كمية الغاز الموجودة بداخله، بعد أن بدأ بالتضاؤل تدريجيا، وبدأت الكمية تقل داخل الخزان، وهو الحل الأفضل لتفادي كتم الغاز وانفجاره في حال محاولة إغلاق الخزان". وباعتبار أن المدينة الصناعية بالدمام هي الأقرب إلى الخطر، كما قال اللواء الغامدي، فإن الإجراءات الاحترازية التي اتخذت كانت مناسبة للتعامل مع الحادثة، معتبرا أن الوضع لم يكن يستدعي إخلاء المدينة من السكان، خصوصا أنه جرى قطع الكهرباء عن المدينة الصناعية، وإخلاء جميع موظفي الشركات من ذلك الموقع، ومنع الدخول إليه يوم أمس حتى بدا خاليا من الناس.