"الترجمة مثل المرأة، إذا كانت جميلة فلن تكون مخلصة، وإن كانت مخلصة فلن تكون جميلة"، بهذه العبارة الفرنسية "الخبيثة" كما قال الدكتور زكريا عناني، أجاب عن سؤال حول مدى إخلاص المترجم للنص الذي يقوم بترجمته. وكان عناني يتحدث إلى جوار الناقد محمد العباس والروائي السوري نبيل سليمان عن تجاربهم مع الكتابة، في أصبوحة ثقافية أمس ضمن فعاليات سوق عكاظ الثقافي. وابتدأ عناني بتجاربه الأولى مع ترجمة الشعر والرواية من الإنجليزية، ومنها ترجمات للروائي الأميركي ارنيست همنجواي، ثم انتقل بعد ذلك إلى الترجمة من اللغة الفرنسية بحكم دراسته وإقامته هناك، واصفاً اللغة الفرنسية بأنها لغة "نبيلة وشامخة ولكنها لا تقارب العربية في جمالها وقوتها". وحكى عناني عن تجربته مع ترجمة قصيدة البحيرة للشاعر الفرنسي الفونس لامارتين. واختتم تجربته مع الكتابة بقوله، "إنني لا أقدم على ترجمة أي عمل إلا وهو قريب من نفسي، وأتناوله بمنظور الهاوي وليس المحترف، ودائماً ما أنظر إلى النص وكأنه إمراة جميلة أريد أن أكسب ودها". بينما رأى محمد العباس أن سوق عكاظ لم يكن قديماً مكاناً للشعر فقط؛ حيث كان للنقد مكان فيه. وبدأ العباس الحديث عن تجربته في الكتابة النقدية في ورقته التي عنونها ب "عقيدتي النقدية"، "النقد في المقام الأول فعل حب، وعندما يكون فعل حب يكون إطلالة على الإنسان "مؤلف النص" قبل أن يكون إطلالة على الأفكار أو النصوص". وأضاف أن ممارسته للكتابة النقدية بمقاربة أي نص هي اختراق للمفردات إلى التجربة الجمالية، وهي بالتالي مقاربة إلى التجربة الجمالية. وقال العباس إنه كناقد ضد حس المحافظة، وإنه دائماً ما يكون مهجوساً بأن يكون له وقفة من الحياة الممثلة في النص، وهي كما يقول، "وقفة شكاكة، وغير عابئة بالميتافيزيقي، فهذه طبيعة النقد المنبثق من وجهة نظر ارتيابية، ضدية واختلافية". وأضاف العباس عن علاقته مع النص سواء كان بصرياً أو مسموعاً أو مكتوباً، بأنه لا يحاول استنطاقه او استدراجه إلى كرسي الاعتراف؛ بل يحاول دائماً تحريره من أغلال السلفية النقدية وتذويب كل مركباته لاستخلاص رحيقه المفهومي والجمالي. وتحدث العباس عن أسلوبه في الكتابة النقدية ونحته لمفردات قد تبدو غريبة أو غير مألوفة على القارئ بأنها كتابة تبتكر بصمة أسلوبية، وهي فعل تعبيري مضاد لمستوجبات الكتابة المدرسية. أما نبيل سليمان فاعتبر أن كتابته النقدية كانت مجرد، "تطفلاً على النقد وكرماً للرواية". وذكر سليمان في ورقته التي قسمها إلى قسمين "ما قبل الكتابة وعملية الكتابة" إن هناك أربعة عوامل أثرت فيه ليكون كاتباً، أو هي العوامل التي قد تقدح فكرة الكتابة، وهي الطبيعة والسفر والآخر والقراءة. واستشهد على ذلك بقوله إن رواية "ثلج الصيف" هي نتاج عاملين من تلك العوامل وهي سفره من دمشق إلى بيروت والثلج الذي احتجزه أكثر من يوم خلال السفر، بينما رواية السجن هي نتاج تجربة صديقه "الآخر"، نبيل الخوري. وفي عملية الكتابة نفسها قال سليمان بأن العنوان هو العتبة الأولى، وذكر بأن العنوان يساعد الروائي على مركزة الرواية، قائلاً بأنه يعاني دائماً من ابتكار عناوين لأعماله الروائية، وأن كثيراً من عناوين رواياته ساعده فيها أصدقاء، منهم الروائي السعودي عبدالرحمن منيف. وختم سليمان حديثه بأنه في كل تجربة روائية يحاول أن "أسلخ جلدي وأكون مهجوساً بالاختلاف عما كتبت من قبل". وفي إجابة عن إحدى المداخلات التي وجهت إلى العباس عن عدم حضور الناقد السعودي في المشهد العربي قال العباس، " تلك مسؤولية المؤسسة التي لم تصدر الناقد للخارج واكتفت بتصدير من هو غير مثقف أصلاً إلى الخارج". وكان الكاتب أحمد العرفج قد روج للمحاضرة عبر موقع تويتر واستقبل عدة أسئلة من خلاله، ومنها سؤال وجه للدكتور زكريا عناني عن وصفه اللغة العربية بأنها أقوى من الفرنسية وأن هذا رأي متطرف كون العربية لغته الأم، فرد عناني بأنه حتى المستشرقين الذين التقى بهم أشادوا بجمال اللغة العربية وقوتها.