تكشف التجمعات والمهرجانات الكثير من لقطات البر، واللوحات العاطفية الحانية، التي تكون لها انعكاسات نفسية على الكبار خصوصا، فهي من ناحية تبعث الأمل والطمأنينة في نفسية الأب المقعد، الذي يحتاج إلى مثل هذه الرعاية بعد أن أفنى عمره كدا وتعبا تربيةً لأبنائه، ومن ناحية أخرى يعدها المهتمون سلوكا تعليميا في منتهى الروعة يستفيد منه الغير؛ في حين تخلى بعض الأبناء عن رعاية آبائهم، وأوكلوا المهمة لعمالة مقيمة في دار رعاية المسنين. صورتان جميلتان لا تحتاجان إلى كثيرٍ من التعليق، رصدتهما "الوطن"، إحداهما لأب وهو يطوف بابنه الصغير على عربة، أطفال، وقد لا تلفت النظر بشدة؛ أما الثانية ففيها الكثير مما أمر الله، .. ابن بار بوالده أخذه معه في أحد التجمعات أيضًا، وكأن الصورة الأولى كَبُرَت سريعًا، وتبادل الاثنان أدوار الصورة، هكذا يبدو المشهد أكثر روحية وحنانًا. الدكتور علي العيثان (طبيب أسرة) اعتبر أن "مثل هذه اللحظات من العناية بالآباء لها انعكاساتها الإيجابية على الوالدين، خصوصًا إذا كان الوضع المادي متعبا للأب وبدون عمل؛ ولأن نسبة الاكتئاب تزيد عندهم في هذه السن، فإنهم بحاجة إلى وقفة أولادهم أكثر"، مضيفًا أن ذلك لا يتوقف على الجانب النفسي أو الصحي، بل يتخطاه إلى الجانب الروحي الديني، فالوالدان سيظلان مشغولين بالدعاء لأبنائهم، وكذلك الأولاد فهم مأمورون من قبل الله تعالى: (وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا). بينما أشار الأخصائي الاجتماعي ناجي الناظري إلى "تأثير هذه السلوكيات في المجتمع عامةً، فلم تعد الحياة كالسابق مغلقة ومحدودة، بل توسعت بقدر ما حمله التطور في كل شيء، وأصبحنا نشاهد في المجمعات الكبيرة والأسواق صورا تجسد قوة الالتحام بين الأب وأبنائه، وفرق كبير بين من يرمى بهم في دار الرعاية، وبين من يحتضنهم أبناؤهم إلى درجة كبيرة تصل إلى الدخول معهم لقضاء حاجتهم، ولا يتفوه بكلمة أفٍّ ؛ لأنه حينما كان صغيرًا لم يتضجر منه والداه مما كان يفعل". ويتذكر خليل البراهيم صورًا كثيرة من هذا النوع أيام الحج، يقول "لا أنسى ذاك المسن الهندي، وهو يحمل أمه على ظهره متنقلاً بين زحام الناس في طريق وصوله إلى الجمرات، وعندما فرغت من الرمي أجلسها وصبّ عليها شيئًا من الماء، وقبّل يديها وأجهش بالبكاء، وأخذ يتحدث إليها بلغته التي لم نفهمها، ولكن دلالات تعابير الوجه تشير إلى طلب السماح والعفو عن كل تقصير بدر منه، والأصعب من ذلك المشهد شخص آخر حمل والده على ظهره إلى جبل النور".