قد يكون خير دليل على أن الكلاسيكية العربية متمثلة في شكل القصيدة ومحتواها لم ينته عهدها هو عمل مثل نتاج الشاعر السوري ذوالكفل سعيد في مجموعته الشعرية "وفاء لغازي القصيبي". وإذا كانت القصيدة العربية التقليدية منذ الجاهلية قد حافظت على بعض أركان عمود الشعر خاصة وحدة الوزن والقافية فقد تميزت مجموعة ذو الكفل سعيد لا بالحفاظ على هاتين الوحدتين فحسب بل بالحفاظ أيضا على ما أسماه النقاد العرب القدامى "شرف المعنى". مما قصد بمصطلح شرف المعنى وصف الممدوح أو المرثي بالصفات الحميدة العامة كاملة وبشكل مطلق. فهو ليس كريماً ولا شجاعاً ولا وفياً فحسب بل هو الكرم وهو الشجاعة والوفاء. إنه البحر والغيث وكل الصفات المثلى الكاملة. وهنا يتحول الموصوف إلى نموذج مضخم كامل ويفقد صفاته الإنسانية الحقيقية الخاصة والمميزة له كإنسان ذي نفسية بشرية ملونة متعددة الخيوط. أما موضوعات القصيدة التقليدية فقد حافظ ذو الكفل سعيد على اثنين منها هما المدح والرثاء وقد قيل إنهما واحد وأن الرثاء هو مدح الميت. وكل ما جاء في المجموعة يراوح بين الأول أي المدح وهو القسم الغالب، وبين الرثاء وهو الأقل عدداً بين القصائد. احتوت المجموعة الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان على 14 قصيدة في 91 صفحة متوسطة القطع، وبلوحة غلاف للفنان سلمان المالك من دولة قطر. في قصائد المجموعة امتلاء بالماضي حتى ليكاد القارىء - لولا إشارات إلى عالمنا المعاصر- يحسب نفسه خلال قراءتها أنه يعيش في زمن غابر.