صام نحو 5 ملايين رأس من الماشية عن تناول الشعير في محافظة قرية العليا بسبب قلة الشعير المتاح أو عدمه، مثل ما تعاني منه أسواق بيع الشعير في أنحاء المملكة من أزمة متكررة في السنوات الأخيرة مع دخول فصل الصيف. وزاد من معاناة مربي الماشية من قلة الشعير النقص الحاد في المراعي بسبب قلة الأمطار مما حدا ببعضهم إلى عرض ماشيته للبيع خوفاً من تفاقم الوضع، وهو ما جعل نحو 300 مواطن من "مربي الماشية" في قرية العليا، يتقدمون بشكوى إلى محافظتهم -حصلت "الوطن" على نسخة منها- لحل أزمة الشعير وتوفيره لنحو 5 ملايين رأس من الماشية في المحافظة -حسب آخر إحصائية لوزارة الزراعة في محافظة قرية العليا-، وبدورها وجهتهم المحافظة إلى وزارة الزراعة. وكانت محافظة قرية العليا، ثبتت لجنة مخصصة لتوزيع الشعير، تحت إشرافها وذلك في محاولة منها لأن يأخذ كل شخص حصته المخصصة له من الأعلاف، وحتى يتسنى للباقين الحصول على الشعير الذي لا "تفتقده" سوق المحافظة، وإن وجد فهو لا يكفي -حسب قول المواطنين-. أسباب أزمة حالة الجدب وقلة الأمطار، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على الأعلاف والشعير كمادة أساسية في تغذية المواشي، ساهمت مجتمعة في ازدياد الأمر سوءاً هذا العام، حيث تعاني حالياً جميع الأسواق في جميع أنحاء المملكة من أزمة تكاد تكون متكررة كل عام مع دخول فصل الصيف وخصوصاً في شهر رمضان المبارك، حيث تعاني جميع الأسواق في أنحاء المملكة من عدم توافر كميات كافية من الشعير، مما تسبب في أزمة كبيرة لمربي الماشية، وحدوث تجمعات كبيرة من المستهلكين في تلك الأسواق بحثاً عن البديل من الأعلاف الأخرى التي لا تتوافر في الأسواق كميات كافية منها. البحث عن مرعى وقد شهدت أسواق محافظة قرية العليا خلال الأسابيع الماضية بيع مجموعات كبيرة من الأغنام التي لم يستطع مربوها توفير الأعلاف والشعير لها. في الوقت الذي ازداد فيه سعر الشعير وتجاوز 52 ريالاً للكيس الواحد، مما جعل المواطنين لا يستطيعون شراء الأعلاف لمواشيهم التي لم تجد ما ترعاه من الحشائش، إذ إن الأرض أصبحت قاحلة بسبب عدم نزول الأمطار هذا العام مما جعل أصحاب المواشي يتجهون منذ أكثر من ثلاثة أشهر لأراضٍ في مواقع أخرى توجد فيها أشجار ك"الرمث" و"الثمام"، وغيرها، إلا أن تلك المراعي لم يعد بها اليوم سوى أعواد يابسة من بقايا "الحمض" و"الرمث". سوق ومعاناة وقال المواطن نواف نهار المطيري "إن سوق قرية العليا يخلو تماماَ من الشعير حالياً، ولا يأتينا إلا فجأة في أوقات لا نعلم بها إلا بعد فوات الأوان". وفي إشارة منه إلى احتكار الشعير، تحدث المواطن محمد مطلق الشبعان، قائلاً: بعد احتكار الشعير من قبل تاجر معين، زاد الشح علينا ولم نعد نملك إلا أن نستخدم البرسيم علفاً لمواشينا"، وبخصوص وصول شاحنة شعير للسوق ومدى نصيبه منها، قال "لم نستطع الحصول على أي شيء من أكياس الشعير، ومنذ أيام وأغنامنا يضعف بدنها، وبدأت تهزل". في حين يفكر المواطن عبدالعزيز هزاع الشقير، وغيره الكثير، في بيع ما يمتلكونه من أغنام لعدم توفير البيئة المناسبة لها، وقال "إن هذا هو حالنا كل صيف وخصوصاً مع دخول الشهر الكريم، وكل يوم نسمع بأزمة جديدة للأعلاف، ولا نتوقع حلاً قريباً، وحتى عندما فكرنا في الاتجاه إلى زراعة الأرض والاعتماد على أنفسنا في توفير مرعى للمواشي، اصطدمنا بعدم جدوى ذلك لأن زراعة الأراضي ليست مدعومة وخصوصاً الشعير". شكوى وأمل وطالب مربو الماشية في محافظة قرية العليا بتدخل عاجل لوضع حد للتدهور الحاصل لمواشيهم قبل أن يفقدوها، وقالوا ل"الوطن": تقدمنا بشكوى سابقة إلى المحافظة وأبرقنا إلى وزير التجارة والزراعة والمالية وطالبنا بإنقاذ الماشية من الموت"، موضحين أنهم خاطبوا الوزراء بقولهم "أنتم مسؤولون عما يجري لنا، وليس من المعقول أن تصوم هذه المواشي في شهر رمضان أيضاً". احتكار الشعير وحول هذه القضية أوضح الخبير الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين ل"الوطن" بقوله: الاحتكار فعل نهى عنه الشارع الحنيف لما فيه من أضرار كبيرة على المجتمع والمستهلكين بوجه عام، وما يحدث في سوق الشعير هو أشبه بالاحتكار، وإن فسر بتفاسير مختلفة، فالاحتكار يعني عدم قدرة المستهلك على شراء سلعة إلا من جهة واحدة، أو تاجر واحد، وبالحجم الذي يُحدد له، وهذا ما يحدث حاليا في سوق الشعير، بغض النظر عن مسوغات الدعم الحكومي الذي يحاول البعض جعله سببا لتخصيص الاستيراد بشركة واحدة". دعم حكومي وعلى مدى سنوات مضت، لم يغب الدعم الحكومي، كما يرى البوعينين، حيث قال "إن الدعم الحكومي ليس طارئا، بل موجود منذ سنوات، ومع ذلك لم نر أزمة حقيقية في معروض الشعير في الأسواق، ونحن نعلم أن دعم الشعير يكلف الدولة آلاف الملايين من الريالات، وأن وزارة المالية معنية بضبط هذا الدعم، حفاظا على المال العام، إلا أن قصر الاستيراد على شركة واحدة يضر بالسوق والمستهلكين، ويفرغ سياسة دعم الشعير من مضامينها؛ فجشع بعض الوسطاء والموزعين دفعهم إلى استغلال إجراءات الضبط الحكومية لافتعال أزمة الشعير بهدف استغلالها والتكسب منها؛ حتى أصبح مربو الماشية لا يمانعون من دفع أسعار أعلى من المعتمدة"، وتابع "وبذلك حول بعض التجار والوسطاء الدعم الحكومي إلى جيوبهم الخاصة بدلا من التخفيف على مربي الماشية، وفي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة المالية أن الاستيراد مفتوح للجميع، إلا أن معونة الشعير لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الحصول على إذن لاستيراد من الوزارة، وهذا أمر جيد، لو تم كما يجب، غير أن التجار يشتكون من عدم حصولهم على إذن الاستيراد، مما جعلهم غير قادرين على المساهمة في معالجة الأزمة". سوق سوداء وأرجع البوعينين نشوء سوق سوداء للشعير، إلى أن "بعض العاملين في نقاط التوزيع الرسمية باتوا يستغلون الأزمة لتحقيق مكاسب مالية من خلال عمولات مباشرة على كل شاحنة، أو من خلال البيع لمصلحتهم الخاصة بالتعاون مع سائقي الشاحنات، وهذا سبب نشوء سوق الشعير السوداء التي يباع فيها كيس الشعير بأكثر من 45 ريالا، والسوق لم تعد قادرة على تلبية طلب مربي الماشية، ويبدو أن الاعتماد على شركة واحدة في الاستيراد تسبب في حدوث الأزمة". حلول مقترحة وبالرغم من انتشار أسواق الأعلاف السعودية في مناطق المملكة، بحسب البوعينين، إلا أن "حجم الطلب على الشعير يفوق ما تستطيع أن تتحمله شركة واحدة قدر لها احتكار السوق النظامية، لذا من الأجدى أن يكون في السوق مستوردون كثر، وموزعون معتمدون تفرض عليهم الرقابة التامة التي تحول دون محاولتهم استغلال السوق والتلاعب في الأسعار". ويتابع قائلاً: أعتقد أن الرقابة أحد أهم العناصر المؤثرة في السيطرة على الأسواق، إلا أن توفير العرض بما يفوق الطلب بكثير هو العنصر الأهم في منع التجار من السيطرة على السوق وفرض الأسعار، وهو العامل الذي يمكن من خلاله القضاء على الأزمة، واستيراد الدولة المباشر لشحنات كافية من الشعير، والسماح لشركات أخرى بالاستيراد يضمن، بإذن الله، القضاء على الأزمة، وأعتقد أن على وزارة المالية مراجعة آلية دعم الشعير بما يضمن وصوله إلى المستهلك النهائي، أو المستهدف من قبل وزارة المالية، فالطريقة الحالية تقود إلى ظهور مشاكل متنوعة تدفع الوزارة إلى محاولة ضبط الدعم من خلال خفض عدد المستوردين، وربما قصرهم على شركة واحدة وفتح الاستيراد المدعوم ربما كان من الخيارات المتاحة في الوقت الحالي، وهو الأقرب إلى كسر الاحتكار". بناء تصور تام ويذهب البوعينين في حديثه إلى أن "مصلحة الإحصاءات العامة مطالبة بتقديم بيانات دقيقة عن حجم الطلب المحلي من الشعير، وحجم الاستيراد خلال السنوات الماضية، وبناء تصور تام للحاجة الحالية والمستقبلية بما يضمن توفيرها منعا لحدوث الأزمة، ويبدو أن السوق ما زالت تمارس الاستيراد العشوائي دون الاعتماد على بيانات دقيقة وهو ما يؤدي إلى حدوث مشاكل لا حصر لها، كما أن معرفة حجم الثروة الحيوانية يمكن أن يعطي مؤشراً دقيقاً لحجم الاستهلاك المتوقع. ويتابع قائلاً "إن شهادات مصلحة الزكاة والدخل المتعلقة بالزكاة يمكن أن تساعد وزارتي المالية والتجارة، في تقنين وتوزيع كميات الشعير على مربي الماشية، فالتوزيع الحالي يقوم على العشوائية وهو مضر بمربي الماشية، ويتسبب في دعم السوق السوداء"، مقترحاً أن "تعتمد الجهات المسؤولة على شهادات الزكاة في تخصيص الكميات المناسبة من أكياس الشعير لمربي الماشية بصورة شهرية، أو كل شهرين وفق ما يمتلكون من أنعام مثبتة في شهادة الزكاة، وأن تكون هناك قائمة بيانات لمنع الازدواجية في التخصيص والاستغلال".