} الندرة ونفاد السلعة وارتفاع الأسعار، أحداث متلاحقة.. وحوارات ساخنة، وقرارات يكتنفها الغموض بين الآراء التي تراها حلاً والتي تراها أساس المشكلة. مشهد درامي لأزمة الشعير التي تعصف في السوق المحلي، والتي أثرت بدورها على أسعار اللحوم الحمراء في المملكة، حيث إن قطعان الماشية تعتمد في غذائها على الشعير بشكل رئيسي. والصور تصاحبها الإثارة في بعض الأحيان، فبينما يتكرر مشهد قلق مربي الماشية وهم يلهثون يبحثون عن الشعير لمواشيهم في أي مكان، ومهما كان الثمن، تتدافع أعداد كبيرة من هؤلاء في جيزان ومحايل عسير وبيشة نحو صوامع الغلال في خميس مشيط لاستلام النخالة، ويُحدِث التدافع والازدحام اختناقات واغماءات، وينقل مواطن مصاب على وجه السرعة إلى المسشفى بسيارة الإسعاف.. وفي الرياض وفي حائل وفي المنطقة الشرقية، وصباح كل يوم تظهر منطقة جديدة، نفدت كميات الشعير في أسواقها، بعضها منذ أيام، والبعض الآخر من أسبوعين أو أكثر. ومع هذا فإن أزمة الشعير ليست وليدة اليوم، بل لها تاريخ طويل، ظلت تراوح فيه بين الندرة والنفاد وارتفاع الأسعار المفاجئ، وتراوحت الحلول للأزمة أيضاً بين وضع اللوائح العقابية للمتلاعبين بأسعار الشعير وتكثيف الرقابة على أسواقه وطرح بدائل أخرى له تؤدي ما يؤديه من غرض وتزيد عليه كالأعلاف المركبة ، وبين السماح باستيراد الشعير لجميع التجار بشرط ألا يطالب المستورد بالإعانة التي تقدمها الدولة لتجار الشعير وهو ما أعلنته وزارة المالية مؤخراً. وتتشابك أزمة الشعير وتتعقد وتطل برأسها بين فترة وأخرى بسبب عاملين: عامل خارجي، تحكمه ظروف لا يمكن السيطرة عليها، كالعوامل الطبيعية وسياسات الدولة المصدرة، فالسعودية التي تستورد 7 ملايين طن من الشعير سنوياً، يأتي حوالي 60% منها تقريباً من أوكرانيا تتأثر وارداتها - مثلاً- بالجفاف الذي يضرب تلك البلاد. أما العامل الداخلي، فالكل يرمي بالكرة في ملعب الآخر عن سبب الأزمة، والاتهامات تُتبادل حتى لا تكاد تستقر على جهة، فالتجارة تلقي باللوم على تلاعب بعض التجار بالأسعار، والتجار يكيلون الاتهامات للوزارة، والموزعون يدمغون التجار بالتهمة، ومربو الماشية لايستثنون هؤلاء ولا هؤلاء ولا أولئك، ويقولون انهم وحدهم الذين يقعون بين حجري الرحى. ويخشى مربون للماشية التقتهم «الرياض» في جولة ميدانية، من أن تكون الحلول لمواجهة الأزمة الخانقة التي يفرضها نقص الشعير وارتفاع أسعاره، حلول وقتية، خاصة في ظل المخاوف من استمرار ارتفاع أسعار الشعير مستقبلاً بسبب ظروف مناخية وطبيعية تتعرض لها مناطق الانتاج الرئيسة. وزارة المالية بدورها تؤكد بأن قرارها فتح باب الاستيراد لجميع التجار سيعمل على توفر الشعير وتخفيض الأسعار بصورة ملحوظة، وأن الهدف من الحصول على إذن الاستيراد هو لكسر الاحتكار، بعد أن شهدت السوق المحلية شبه احتكار وارتفاعاً في الأسعار. وأمس الأول، شددت «المالية» عن أنها تنسق مع عدد من الموردين للاستفادة من مراكزهم وإمكاناتهم لتعبئة وتوزيع الشعير في مختلف مناطق المملكة، وذلك لمواجهة المشكلة الموقتة المتمثلة في عدم توفر أجهزة التعبئة وإمكانات التوزيع، مبينة أن التنسيق سيسهم في توفيره بالكميات التي تحتاج إليها السوق عند الأسعار المحددة. وأشارت الوزارة إلى أن استيراد الشعير متاح لجميع المستوردين وفقا للترتيبات التي أقرت من قبل المقام السامي ومن مجلس الوزراء لتوفيره في السوق المحلية بالكميات الكافية وبالسعر المحدد. وبينما تهددّ وزارة التجارة بين الحين والآخر بتشديد الرقابة على الأسعار وتطبيق أقصى العقوبات بحق المتلاعبين بالأسعار، إلا أنه يبدو أن هذه التهديدات لم تفلح بتطويق أزمة الاحتكار وارتفاع الأسعار في السوق المحلية. وأمام ذلك، يطالب مربو الماشية بحلول سريعة ونهائية لمشكلة ظلت تمثل تهديداً لا يبارح عقولهم بسبب توقعه في كل لحظة وفي كل حين، معتبرين أن توفر الشعير، بصورة دائمة وبأسعار معقولة، عامل مهم لاستقرار الأسعار. ويقول سعدون الجابري مربٍّ للماشية: «مع الخسائر التي توالت عليّ بسبب هذه الأزمة، وجدت أن أفضل حل هو بيع ماشيتي، بسبب تكلفة تربيتها العالية .. مربو الماشية تضرروا كثيراً بسبب أزمات الشعير المتلاحقة وغير المستقرة، وما قررته الوزارة ربما يكون حلاً للازمة ، مطالباً بتكثيف أعمال الرقابة على تجار الشعير لما يمثله من أهمية حيوية لمربي الماشية. ومع بروز هذه الأزمة بين الحين والآخر، يظهر أمام مربي الماشية بديل الأعلاف المركبة وهو البديل الأفضل لا من ناحية الأسعار أو القيمة الغذائية، خاصة مع اتساع المطالب بضرورة تحول مربي الماشية نحو الأعلاف المركبة للابتعاد عن التأثر الحاد بالأسواق العالمية، وعدم الاعتماد على الشعير علفاً كاملاً . وقال محمد السعدون أحد المستثمرين في قطاع الماشية، ان من شأن التفعيل الكامل للخطة الوطنية لتشجيع صناعة الأعلاف أن يقدم الحلول للخروج من هذه الأزمات التي أرهقت مربي الماشية وسببت لهم صداعاً دائماً وذلك بالحد من تنامي استيراد الشعير، وتشجيع المستثمرين للدخول بالاستثمار في صناعة الاعلاف والتوسع فيها بما يحقق احتياجات السوق المحلية. ودعا السعدون وزارة التجارة بأن تقوم بدورها وأن تتصدى للخروقات التي تهدد المربين، وأن تحارب، بكل وسائلها، الاحتكار والتلاعب في الأسعار والسوق السوداء، وأن توثق صلاتها أكثر بالمستهلك. ويقول المواطن فايز محمد أن تربية الماشية أصبحت مكلفة في ظل استمرار ارتفاع أسعار الشعير وعدم وجوده، مشيراً إلى أن المواشي تحتاج إلى رعاية صحية وبيئة نظيفة، من أجل زيادة الثروة الحيوانية المحلية، إلا أن ذلك يتطلب من المربين دفع الكثير من الأموال لتوفير الأدوية البيطرية والأعلاف، مشيراً إلى أن البعض يضطر إلى بيع عدد من الأغنام لتغطية المصروفات. وأكد ان ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى عزوف الكثير من المواطنين عن تربية المواشي، مؤكداً أن تربيتها أصبحت مكلفة، مطالباً الجهات المعنية بتكثيف الرقابة على الأسواق وتوفير الأعلاف بعد أن ارتفعت أسعارها خلال الفترة الماضية، مما اضطر بعض المربين إلى بيع بعض المواشي لسد احتياجات الحيوانات للغذاء وتغطية المصروفات والخسائر نتيجة ارتفاع الأسعار. وكان وزير التجارة والصناعة عبدالله زينل أصدر مطلع العام الحالي قراراً بإخضاع سلعة الشعير لأحكام التنظيم التمويني في الأحوال غير العادية، واعتبر القرار، مخالفاً لأحكامه كل من تجاوز من المستوردين نسبة هامش ربح مقدارها 5 في المائة من كلفة الاستيراد بعد خصم مقدار الإعانة ورسوم التفريغ في الموانئ، وكل من باع كيس الشعير وزن 50 كغم من الموزعين أو التجار بزيادة عن هامش الربح المحدد ضمن قرار مجلس الوزراء، وهو 4 ريالات للكيس، وكل من امتنع عن البيع أو قام بتخزين الشعير أو لم يضع لوحة توضح أسعار البيع في محله من المستوردين والموزعين وتجار الشعير. وتعد المملكة أكثر دول العالم استهلاكاً للشعير، إذ يبلغ حجم الكميات المستوردة من هذه السلعة ما يزيد على 7 ملايين طن، وتعتبر أوكرانيا واستراليا وبعض دول أوروبا الشرقية من أكثر الموردين للسوق السعودية.