عكرت العاصفة الترابية التي ضربت جدة أمس صفو استعدادات الجداويين لشهر رمضان المبارك، لكن كان لمنطقة البلد رأي آخر، حيث لم تثنها العاصفة عن عادات أهلها وموروثاتهم تجاه تلك الليلة الحافلة بالفرحة والسعادة. فما إن تسير فيها حتى تجد الاستعدادات تسير على قدم وساق، ما بين منظم لما يعرضه في محله للمتسوقين وآخر منهمك بتعليق الزينة الخاصة بهذا الشهر التي يغلب عليها طابع الديكورات الحجازية القديمة.. وأخرى خط الزمن عليها علامات الكبر تنسق بسطتها الرمضانية التي أنشأتها بناء على تصريح من الأمانة، آملة في تحقيق عائد وفير لها ولأبنائها الأيتام. ويؤكد العم صدقة الشوربجي، أحد الوجوه المعروفة بمنطقة جدة التاريخية وتحديدا في "برحة الأشراف"، أن العاصفة لن تثنيهم عن عاداتهم، مشيرا إلى تجهيز المحلات والساحات المحيطة بالديكورات التراثية والفوانيس الرمضانية التي اشتهرت بها منطقة الحجاز منذ مئات السنين، مضيفا "أنشئ بسطة رمضانية للمأكولات الشعبية في رمضان منذ 37 عاما في هذا المكان، وذلك بعد تنفيذ الإجراءات اللازمة". وتجولت "الوطن" في شوارع باب مكة، حيث وجدت محلات الجزارة وقد وفرت كميات كبيرة من اللحوم، فيما امتلأت محلات التوابل التقليدية بعدد من الأصناف التي يرتبط استخدامها بتجهيز وجبات مرتبطة برمضان. وأشار سامي باجنيد، تاجر متخصص في التوابل والعطارة، إلى أن "الحوايج" و"التخاليط" و"الدقة" وغيرها هي مسميات لمزيج منوع من البهارات الشرقية لها استخدامات معينة في تحضير الشوربات الحجازية الشهيرة إلى جانب المأكولات الشعبية. وأوضح أن شارع قابل يشهد إقبالا كبيرا كل عام في هذا الوقت من قبل كبار السن ممن تجاوزوا ال50 عاما، ولا سيما ممن كانوا يسكنون في حارات مجاورة للمنطقة وانتقلوا إلى أماكن أخرى، مؤكدا حرصهم على شراء مستلزماتهم منه، مرجعا ذلك لارتباطهم التاريخي بهذا المكان وحنينهم له. من جانبه، أوضح رئيس بلدية منطقة جدة التاريخية المهندس سامي نوار أن منطقة البلد تتهيأ لزوارها بشكل جيد هذا العام، خاصة مع إصلاح وترميم عدد من المواقع التاريخية في شارع قابل والعلوي وبيت العيدروس وبيت الصيرفي وعين فرج. ولفت إلى أن مسجد "حسوبة" التاريخي بات مهيأ لاستقبال المصلين، حيث رممت الأجزاء التي تهدمت منه نتيجة إهمال مُلاك البيت التاريخي المجاور له، مشيرا إلى تنظيم بعض الفعاليات الرمضانية في بيت نصيف بعد ترميم جزء منه، كإحياء بعض العادات الرمضانية الشهيرة التي كانت في السابق، مثل "الحكواتي" و"المسحراتي" إلى جانب تنظيم بعض المعارض. وأضاف أن البلدية تعمل على إحياء بعض الحرف التي أوشكت على الانقراض والحفاظ عليها كصناعة الحلوى التقليدية عبر الاستفادة من ممارسيها من كبار السن، والسماح لهم بتدريب الشباب.