إذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما كما يقول المثل، ففي المقابل، كل الأعمال الفنية والثقافية تؤدي إلى السياسة أو إن شئت الدقة تخضع لها. يمكن تلمس ذلك من خلال المبادرات الكثيرة التي أطلقها ناشطون سياسيون على فيس بوك، التي أدت إلى انحسار الاهتمام بالدراما السورية هذا العام، فالنداءات تطرقت إلى مقاطعة عدد من المسلسلات التي يشارك فيها فنانون سوريون وضع الناشطون السياسيون أسماءهم في القائمة السوداء، نذكر منهم على سبيل المثال: باسم ياخور وبشار إسماعيل والمخرج هشام شربتجي وفراس إبراهيم، ودريد لحام، ولورا أبوأسعد، وعباس النوري. وفي مقابل لائحة العار التي بادر بها فنان الكاريكاتير علي فرزات، هناك لائحة الشرف التي يتصدرها الفنان جمال سليمان إلى جانب المخرج هيثم حقي والممثلة يارا صبري وهم ممن وقعوا على بيان "نداء الحليب" الذي دعا السلطات السورية إلى فك الحصار عن مدينة درعا وإدخال حليب الأطفال إليها، وممن وقع البيان الفنانة منى واصف وأصالة، ورشا شربتجي ويارا صبري وكندة علوش وجمال سليمان الذي تصدر لائحة الشرف. بالمقابل قررت 22 شركة إنتاج سورية مقاطعة الفنانين الذين وقعوا على البيان ووصفت "نداء الحليب" بأنه نداء ممتلئ بالافتراء على درعا وشعبها، ومنحاز بشكل فظيع لحملة السلاح الإرهابي والقتلة والمخربين بحسب بيان شركات الإنتاج. من جهتهم أوضح الفنانون أن هدفهم من التوقيع على النداء لم يكن المساس بجيش الوطن ولا النيل من سمعته، بحسب كاتبة البيان ريما فليحان التي لم تتوقع أن يضخم هذا البيان على النحو المخالف لمبتغاه. السوريون منقسمون، بحيث تجد المخرجة رشا شربتجي في قائمة الشرف وتجد والدها المخرج هشام شربتجي الذي وصف الموقعين على البيان بأنهم حثالة في قائمة العار، وانعكس هذا الانقسام على مكانة الدراما السورية التي احتلت طوال السنوات الماضية صدارة المشهد الدرامي العربي في رمضان وما بعده. ومشكلة الدراما السورية أن عدد نجومها محدود، بحيث نجد أكثرهم في كل مسلسل، لذلك يندر أن تجد مسلسلا هذا العام لا يتواجد فيه فنانون من اللائحتين، ويمكن القول إن الضرر طال الجميع، خاصة بعد اندفاع ناشطون في الفيس بوك إلى إدانة مؤسسات الإنتاج، ورفع نداءات للقنوات الخليجية بعدم شراء إنتاجها، وقال المخرج وائل رمضان: إنه توقف عن إخراج عدد من المسلسلات بسبب الحالة المحبطة، وعدم توفر طلب على الإنتاج السوري هذا العام، يذكر أن رمضان متزوج من الفنانة سلاف فواخرجي الموضوعة هي الأخرى على لائحة العار السورية باعتبارها مناهضة للحراك الاجتماعي ومطالب المتظاهرين. ولم تغب الصحف السورية عن الحدث الذي يعتبر مأزقا اقتصاديا كبيرا، حيث يساهم الإنتاج الدرامي السوري بنسبة جيدة في الدخل الوطني العام، فقالت صحيفة البعث إن الإنتاج الدرامي مهدّد، وسيكون في طليعة القطاعات الاقتصادية المتضرّرة، لاسيما إذا علمنا أنه ما من محطة عربية من المحطات التي كانت تشتري الأعمال السورية وهي مازالت قيد التصوير أو المونتاج تنوي تبنَّي عمل سوري غير مكتمل، وهو ما بدا واضحا حتى الآن، إذ لم ترشح أخبار عن نشاط تسويقي يُذكر عدا بعض العقود هنا أو هناك. وتسربت أنباء عن سخط كبير في الوسط الفني بسبب هذه المعاناة، فالفنانون الذين كانوا ينوون رفع أجورهم هذا العام اضطروا إلى خفضها بنسبة 25% خاصة في ظل تسرب إشاعات عن أن 10 مسلسلات سورية فقط تم تسويقها للعرض في رمضان المقبل، بالمقارنة مع 60 عملا تم تسويقها العام الماضي، ويبدو أن الرابح الأكبر هذا الموسم هي الدراما الخليجية وربما التركية، ويلاحظ هذا من خلال إعلانات أهم قناتين يتابعهما المشاهدون في رمضان وهما إم بي سي ودبي.