تقاعست "السياحة والآثار"؛ فهبّ المواطنون لحفظ تراثهم..! هذا ما يمكن استخلاصه من انتشار المتاحف الشخصية بمحافظة القطيف، حيث توجد العشرات من المتاحف المملوكة لأفراد عشقوا التراث والتاريخ، فعمدوا إلى محاولة إنقاذهما من الضياع والنسيان، إلا أن عقبة "المكان" تقف أمام جهودهم، مما قد يعرض مقتنياتهم للتلف أو الضياع مع مرور الوقت. "المتحف الحضاري" بالقطيف، الذي يعتبر الأفضل على مستوى المتاحف الشخصية بالمملكة لما يضمه من مقتنيات نادرة، تعرض قبل 6 سنوات لانهيار بعض غرف المنزل الأثري القديم الذي كان يحتضن تلك المقتنيات، مما اضطر صاحبه لنقل مقتنياته إلى عدة أماكن مختلفة آمنة، وذلك بعد تعرضه لخسائر كبيرة بالإضافة إلى تلف الكثير من القطع والمقتنيات الأثرية، وعدم تمكن الزوار من زيارته للاطلاع على ما لديه من مقتنيات. بينما لا يزال صاحب "متحف الناصر" بالقطيف والذي يضم أكثر من ألف قطعة أثرية، يسعى لإنشاء متحفه الشخصي على أرض مستقلة ليكون للزائرين فيه نصيب، آملاً أن تصدر هيئة السياحة والآثار بطاقات خاصة بأصحاب المتاحف الشخصية وتمنحهم مخصصاً سنوياً يساعدهم في شراء ما يرغبون فيه من القطع الأثرية التي كلفتهم الكثير من أموالهم الخاصة. في حين أن "متحف صقر الجزيرة" بالقطيف، كما يطلق عليه صاحبه، يحتاج حالياً لموقع أكبر يكفي لمقتنياته التي لم يعد يستوعبها، ومنذ قرابة ال10 سنوات تم تقديم طلب للحصول على قطعة أرض لإقامة هذا المتحف، إلا أن الرد لم يأت حتى الآن، كما يقول صاحبه. حقبة ما قبل النفط ويشير الباحث في مجال التراث والآثار عبد الخالق الجنبي، خلال حديثه ل"الوطن" إلى أن أول متحف في الخليج العربي، كان لمحمد صالح الفارس "رحمه الله"، الذي كان من أشهر أصحاب المتاحف في محافظة القطيف سابقاً، أما في الوقت الراهن فيعتبر "المتحف الحضاري" بالقطيف من أفضل المتاحف الموجودة، لأنه يؤرخ لحقبة ما قبل النفط والفترة التي تلت ذلك، والتي واكبت أول ظهور للنفط، كما يتناول تاريخ تغير حضارة القطيف بشكل جذري، ومن خلاله يتسنى للناس رؤية الحقبة التي عاشها الأجداد قبل النفط، وهي فترة مهمة، إذ تدل على وجود النزعة للتحضر لدى أهالي المنطقة. وطالب الجنبي بإنشاء متحف مركزي في محافظة القطيف، على أن يتكون من عدة أركان لتحتضن جميع أصحاب المتاحف الشخصية، وقال " من المهم عرض المقتنيات الشخصية في مكان واحد حتى يتسنى للجميع زيارتها والتعرف على تاريخ المنطقة"، موضحاً أن جمعية القطيف للخدمات الاجتماعية، سعت في وقت سابق لإقامة مشروع لإنشاء متحف خاص، إلا أنه ولظروف متعددة لم يكتب النجاح لتلك المحاولة. جمع طوابع وعملات أما صاحب المتحف الحضاري، حسين السيد علي العوامي، الذي بدأ منذ صغره بجمع الطوابع البريدية والعملات النادرة والمخطوطات الأثرية، ولم يدر بخلده أن هذه الهواية ستجعل منه يوماً ما صاحب متحف، فقال ل"الوطن": إن المتحف الحضاري يضم الكثير من الموجودات الأثرية المتنوعة التي تعود إلى فترات مختلفة من تاريخ المنطقة، حيث قمت باقتنائها منذ أكثر من 45عاماً، وحرصت على جمع وشراء ما يتوفر من قطع تراثية طوال تلك الفترة، كما ترتبط بعض معروضات المتحف بالفترات التاريخية المختلفة، فلدي مجموعة كبيرة من الهواتف التي كانت تستخدم في الماضي، ومجموعة منوعة تقدم تاريخ تطور المذياع منذ القدم حتى الآن، بالإضافة الى ما يعرف ب"البشتختة" بجميع أنواعها والتي تصل لأكثر من 23 نوعاً، ومجموعة من الأوعية الزجاجية المتنوعة الأحجام والأشكال، وأوانٍ مخصصة للزينة تحمل صور ملوك وقادة عرب، ومعدات حرفية قديمة من التراث المحلي. وأضاف العوامي، الذي سبق له إقامة عدد من المعارض في مناسبات وطنية متعددة، عرض من خلالها بعضاً من مقتنياته الأثرية في المنطقة الشرقية، كما شارك في الملتقى الأول لأصحاب المتاحف الذي أقيم في العاصمة الرياض مؤخراً، قائلاً "إنني أحتفظ بأرشيف من الوثائق المهمة، ومنها جوازات سفر تعود إلى دولة الحجاز، بالإضافة إلى أول تذكرة سفر صادرة عن خطوط الطيران السعودي، وكذلك برقيات كانت تتبادلها القطيف مع جوارها، ومجموعة من الصحف تضم الأعداد الأولى لصحف سعودية وخليجية وعربية، وأرشيف من الطوابع التي تحمل صورة الكعبة والقدس، ومجموعة نادرة من العملات القديمة والحديثة، العربية والأجنبية، والقطع التراثية، مثل نياشين سعودية وهاشمية وعثمانية، وأهمها ميدالية دخول المملكة للأمم المتحدة عام 1945، وكيس مفتاح باب الكعبة سنة 1408، وأطول مصحف في العالم والذي يبلغ طوله 8.5 أمتار، وكسوة الغرفة الهاشمية. وأشار العوامي إلى قيامه بجهد مضنٍ بخبرته المتواضعة وعلى نفقته الخاصة خلال السنوات الماضية لجمع ما تم جمعه من مقتنيات، وقال: لقد تكبدت الكثير من الجهد والمال، وما جمعته يعتبر ثروة وطنية نفيسة تحكي للأجيال ماضي وعراقة وتراث الوطن، وأمنيتي أمنية كل مواطن غيور على وطنه، وهي الحفاظ على تراث الآباء والأجداد وإيصاله للأجيال القادمة، وعلى هيئة السياحة والآثار الاستفادة من هذا الجهد في إثراء الحركة السياحية. وتابع قائلاً: تقدمت بطلب منحي قطعة أرض على كورنيش القطيف لإقامة المشروع الوطني عليها بما يضم من المقتنيات والصور والوثائق التاريخية، ليكون معلما سياحيا متميزا يفتح أبوابه للجمهور وزوار المنطقة الشرقية لتعريفهم بتراثنا وحضارتنا التي تعكس ماضي الوطن العزيز، علماً بأن الأرض المعنية هي من ضمن أملاك بلدية القطيف، لكن لم يتم الرد، وقد وجدت دعماً من إمارة المنطقة الشرقية، كما تلقيت تشجيعاً كذلك من هيئة السياحة والآثار بالمنطقة، وكذلك غرفة الشرقية. وفي ذات السياق، أكدت هيئة السياحة والآثار في خطاب لها موجه للعوامي أنها "بحاجة لإيجاد مثل هذه المتاحف الخاصة لتشجيع الثقافة السياحية بالمنطقة والتي سوف تلعب دوراً كبيراً وبارزاً مستقبلاً ضمن خطط وإستراتيجية الهيئة العليا للسياحة في تنشيط وتطوير السياحة". كما أشارت إمارة المنطقة الشرقية في خطاب لها وجه للعوامي إلى أنها "تود مساعدته في تحقيق طلبه تشجيعا لجهوده في مجال النشاط السياحي بالمنطقة". البحث عن النفيس النادر وفي موقع آخر بمحافظة القطيف، يحتضن سقف "متحف الناصر" لصاحبه محمد علي الناصر، مصحفاً مخطوطاً مذهباً للخطاط "شكرزاده"، وهو مخطوط بعهد السلطان محمود خان العثماني، ويعود تاريخه إلى عام 1046ه، ومصحفاً آخر يرجع إلى العهد العثماني خط عام 1029ه، بالإضافة إلى 60 ساعة متنوعة، منها ساعة كروية الشكل، بها رمانتان، إحداهما ذهبية والأخرى فضية، تحددان توقيت الساعة، وكذلك ساعة تعمل بلا بطارية أو مفتاح، وهي كروية الشكل توضع على أي سطح منحدر فتعمل بدقة فائقة. ويسعى الناصر حالياً لإنشاء متحف شخصي على أرض مستقلة لترتيب القطع النفيسة والآثار الثمينة ليكون للزائرين فيه نصيب، متمنياً أن تصدر هيئة السياحة والآثار بطاقات خاصة بأصحاب المتاحف الشخصية تثبت أنهم أصحاب متاحف وتسهل لهم عملية شراء المقتنيات التراثية، وتمنحهم مخصصاً سنوياً يساعدهم في ذلك. وعن محتويات متحفه، قال الناصر ل"الوطن": "إنني أقتني أكثر من ألف قطعة أثرية، من ضمنها أوانٍ نحاسية يرجع بعضها إلى العهد السلجوقي، والعهد الصفوي، ومن الأواني الزجاجية لدي مزهريتان زجاجيتان من العصر الفاطمي، وكذلك أحجار نادرة جدًا، أندرها "فص" رسمت عليه الكعبة الشريفة بقلم القدرة الإلهية، وفي مجال الطوابع توجد طوابع الدولة القاجارية والدولة العثمانية، ومن الأواني الطينية أوعية من العهد الروماني، إلى جانب الأبواب الخشبية، والنوافذ، والزخارف الجبسية، وهي من أهم ما يميز الصناعات المحلية في تراث القطيف". وحول هوايته، قال الناصر: أهوى التراث منذ 40 عاماً، وقد بدأت منذ أيام الدراسة بجمع الطوابع والعملات والأحجار الكريمة في زمن تعلق فيه الناس بهذه الهواية، ثم ازداد نشاطي وحبي لجمع التراث بكل أنواعه، وقد جمعت من الأسواق والمهتمين الكثير من المقتنيات مما شكل متحفاً متميزاً، فأنا أبحث عن القطع النفيسة والنادرة فقط، ولا أبحث عن "الكمية" في اقتناء التراث بقدر بحثي عن "النوعية". مشيراً إلى أن التعامل مع الآخرين بالدبلوماسية بجانب الجهد الذاتي وتوفر المال، هو السبيل للحصول على أفضل قطع التراث والآثار، قائلاً: لقد استطعت الحصول على الكثير من النفائس، كستارة الكعبة بأنواعها، وأوانٍ زجاجية مزججة بالذهب، ومحابر من العهد الفاطمي، وأقلام وريش كتابة صنعت من الذهب. مخطوطات قديمة أما متحف "صقر الجزيرة"، كما يحب أن يُطلق عليه صاحبه جعفر علي آل مرار، فبمجرد دخوله يجد الزائر كماً كبيراً من الصور والوثائق التاريخية للملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ولأبنائه، كما يحتوي المتحف على مخطوطات قديمة تدل على حاضرة القطيف، يعود تاريخها إلى ما قبل 300 سنة، وفي أحد أركان المتحف تتواجد أوانٍ منزلية ونحاسية وفضية يعود تاريخها إلى ما قبل 350 سنة، كذلك مجموعة متكاملة من البنادق والسيوف والخناجر القديمة، وفي خارج المتحف أبواب نادرة يعود تاريخها إلى 5 قرون مضت، بالإضافة إلى أبواب خشبية نقشت عليها آيات قرآنية، وكذلك عملات كثيرة من كافة العصور. آل مرار قال ل"الوطن": "أنا أشتري ولا أبيع، حفاظاً على التراث، وما زالت أحتفظ بعدد من الوثائق، خشية فقدانها أو تلفها، وأحتاج حالياً إلى نقل المتحف إلى موقع أكبر، إلا أن عقبة المكان هي المشكلة الأكبر التي تواجهني، وقد طلبت منذ 10 سنوات قطعة أرض لإقامة متحف عليها، ولم يأت الرد لحد الآن".