يصادف المتسوق بأسواق التمور بمدينة سكاكا مجموعة من العمالة المقيمة من جنسيات عربية مختلفة يحملون بين أيديهم كتبا مدرسية متنوعة، منهم من يحمل كتاب التوحيد، وآخر يحمل كتاب الحديث، وثالث يحمل كتابا للفقه, مما يدفعك للحظة إلى الاعتقاد أنك دخلت أحد فصول محو الأمية، ولكن ستزول علامات التعجب عن سبب حمل هذه الكتب في الفترة الحالية بالذات عندما يتضح أن أسواق التمور يجاورها بعض المدارس، والتي اعتاد طلابها كبقية المدارس على إلقاء الكتب بعد نهاية فترة الاختبارات, فقام هؤلاء المقيمون باقتناء الكتب والاطلاع عليها، معللين ذلك بالاستفادة منها أثناء مكوثهم بالسوق في الثقافة والتعلم. سألنا ناصر (بائع التمور) والذي يحمل كتاباً للصف الثاني متوسط، ما سر هذا الكتاب؟، فأجاب أن "الطلاب ألقوا به عند المدرسة، فقمت باقتنائه للتسلي بالقراءة فيه فترة مكوثي بالسوق، وللاستفادة مما فيه، وذلك أفضل من إلقائه بالطرقات". أما محمد فيقول "حرمتنا الظروف من إكمال تعليمنا، وتوقفت عند الصف الثالث الابتدائي, وبدأت من تلك السن الخروج طلبا للرزق لتوفير المعيشة لعائلتي، وعندما شاهدت هذه الكتب رأيت أنها فرصة مناسبة لي للتعلم والثقافة، فاقتنيت منها الكثير، وكل يوم أحمل أحدها أثناء توجهي للعمل، وأقوم في فترة غياب الزبائن عن السوق بالاطلاع عليها، فثقافتي لاتعدو أكثر من كوني أجيد القراءة والكتابة". ويضيف خالد الذي يحمل كتاب الحديث "حفظت من منتصف الأسبوع الماضي أكثر من عشرة أحاديث من هذا الكتاب"، مبديا سعادته لتمكنه من ذلك، وعلق على إلقاء الطلاب للكتب بقوله ""رب ضارة نافعة". الكتب الملقاة في السوق أشاعت منافسة تعليمية بين المقيمين، فيقول أحمد وعلي ومصطفى إن "قراءة بعض الزملاء بالسوق حفزتنا لمشاركتهم القراءة، في ظل توفر عدد كبير من الكتب، وذهبنا لجوار المدرسة، وحصلنا على مجموعة من الكتب وأصبحنا نقرأ بأنفسنا ونطالعها، ونحن سعداء بذلك. وتعج الطرقات والأرصفة بجوار المدارس هذه الأيام بالكتب المدرسية الملقاة من قبل الطلاب بعد نهاية الاختبارات، وأرجع عميد عمادة شؤون الطلاب بجامعة الجوف الدكتور بدر المعيقل سبب هذه الظاهرة لفقدان الطالب لقيمة الكتاب، قائلا "الطالب لم يتعلم قيمة الكتاب المادية والمعرفية، وكذلك لا يدرك قيمة المعلومة، وذلك في الجانب التربوي, أما في جانب المجتمع ، فالمجتمع شريك في ذلك السلوك الخاطىء، فهو لا يبذل جهدا في تعزيز هذه الثقافة لدى الطالب، فقلما تجد في منزل مكتبة يقتني منها الطالب كتابا، ويعيد كتبه لها، وهذا أفقد الطالب قيمة الكتاب". وأكد أن وجود مكتبة في المنزل بها مجموعة مختلفة من الكتب، وتعود الطالب على أن يقتني ما يريد، وفي السن المناسبة له، سوف يساعد على تعود الطالب على القراءة وإدراكه لقيمة الكتاب, موضحا أن التعامل مع الكتاب لا يقف على الكتاب المدرسي، مشيرا إلى أن الكتب الجامعية ليس مكتوبا عليها اسم الوزارة والمدرسة، وهي كتب يشتريها الطالب من المكتبة، ورغم ذلك لا يحافظ عليها بعد نهاية العام الدراسي. وأضاف الدكتور المعيقل أن هناك قصورا في المؤسسات التعليمية سواء في التعليم العام أو العالي في جانب التوعية بأهمية الكتاب، وتقدير مدى أهمية المعلومة, وتطرق لتجربة وحدة الإرشاد والتوجيه بعمادة شؤون الطلاب بجامعة الجوف، والتي نفذت برنامجين للطلاب يعنيان بهذا الجانب، واستقطبت الكثير من طلاب الجامعة، وكانت البرامج تصب في صالح معرفة قيمة المعلومة والكتاب، وقد تم تعميم التجربة على عدد من الجامعات والاستفادة منها.