أنهت جماعة حوار في النادي الأدبي الثقافي بجدة يوم مساء أول من أمس برنامجها السنوي الذي اختارت له عنوان "جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة" بورقة للناقد محمد العباس عنونها ب"مدخل للرواية السياسية في السعودية". وقرأ العباس أجزاء متناثرة من ورقته وقال إن "التاريخ لا تمتلكه النخبة، وبالتالي لا يفترض أن يكتب من وجهة نظرهم فقط. بمعنى أن للبسطاء من الناس نصيب في تشكيل الصورة الاجتماعية بمعانيها السياسية والثقافية، معتبرا أنه يفترض أن عبدالرحمن منيف أبا روحياً للرواية السياسية في العالم العربي مستعيراً قوله أن "على الروائي المعاصر جزءاً من حركة تاريخه ومجتمعه، وهذا لا يتم إلا من خلال الالتصاق بالناس والإحساس بمعاناتهم ومعرفة مشاكلهم وهمومهم"، وبهذا المعنى يمكن أن تكون كل محاولة روائية هي صيغة من صيغ الممارسة السياسية، إذ لا تخلو رواية من صراع يحيل إلى مظهر من مظاهر السياسي. ونفى العباس الإقرار بوجود رواية سياسية سعودية "ما لم تمتلك القدرة على الإقناع، بكل دلالاته المنطقية والفعلية، بمعنى أن تتعادل مقومات الخبرة الفنية مع شمولية ومعاني التجربة الواقعية، وهو ما يعني أن كل تلك الإشارات الرمزية الذاهبة باتجاه تسييس الصراع داخل الرواية في السعودية، لا تعفي المشهد من إنجاز رواية ذات ثيمة سياسية واضحة المعالم، لتستحق التجنيس بمعناه الأدبي. ويخلص إلى أن "أغلب الروايات المعنية بالحدث السياسي في السعودية، تلهج بمفردات الحرية، والسجن، والوطن، والحزب، والتنظيم، والثورة... إلى آخر منظومة القاموس النضالي لكنها تكتفي بالعناوين البراقة، ولا تتجرأ، أو ربما لا تقدر على تفكيكها داخل النص، إذ لا تستدعي حالات نضالية بمسميات ومعالم واضحة، إلا بقصد التبرؤ منها، بل إنها في الغالب تتحدث عن نموذج نضالي من الزمن المنقضي، يتم اعتباره مجرد دليل متهافت لسيرة جيل خائب، حسب منطوق أبطال أغلب الروايات، حيث يتسيّد الماضي هذا النمط من الكتابة الروائية، ويرتهن النص لنزعة رثائية نكوصية، يُستجلب بموجبها نموذج المناضل المنهزم من ذلك الزمن بطريقة توحي بانتفاء الفعل النضالي واستنفاذ ممكناته المستقبلية، كما يبدو هذا الهاجس صريحاً في رواية (طوق الطهارة) لمحمد حسن علوان مثلاً، ورواية (رقص) لمعجب الزهراني، إلى آخر مظاهر البطولات المنهزمة والمنكسرة". وقال العباس إن الوقائع والأحداث التاريخية لم تستثمر في الرواية السعودية، ومرت في الروايات كمادة خبرية أوتزيينية، أو للإخبار فقط واستعراض الصراع ومظاهر القوة مستشهداً برواية (القارورة) ليوسف المحيميد، و(كائن مؤجل) لفهد العتيق, و(الرياض نوفمبر 1990) لسعد الدوسري، و(عودة الأيام الأولى) لإبراهيم الخضيري، وأضاف أن هناك اتجاهاً تبسيطياً في رواية (الإرهابي 20) لعبد الله ثابت و(الحمام لا يطير في بريدة)، و(عين الله) لخالد المجحد، فهم لا يملكون إرادة التوغل في أعماق الواقعة ودالاتها أو مقابلتها على الأقل بمروية موازية، وهو ما اعتبره العباس تنازلاً محيراً، يجعل من الرواية مجرد ملحق تفسيري لما تبثه وسائل الإعلام. وبينما اعتبر أن الرواية السياسية السعودية هي رواية (مذعورة) لأنها تنبثق من بنية خوف وحذر، يردف بالقول إن أغلب الروايات تعتبر المناضل الوطني مجرد كائن مارق، بحاجة إلى الاستتابة ، بل تشي أغلبها بكونه خائناً لوطنه أو كائناً مفتوناً بثوريات الآخر العربي المزيفة، وبفحص أدائيات هذه الروايات يخلص العباس إلى أنها تتفق على تجسيد المناضل في صورة كائن مهدم وغير مؤهل سياسياً، يسكنه الخوف أو يميت نفسه بنفسه بإفراط في الكحول والتدخين والأوهام والثرثرة، شخصية معتلة مشوشة، اعتبرها العباس بأنها مواصفات مجحفة وغير دقيقة، معتبراً أن أغلب الروايات تتنازل عن إبداء الرأي فيما يختلف عن خطاب السلطة، وبعضها ينم عن وهم نخبوي بأهمية رأي الكاتب بالأحداث اعتقاداً منه بأن روايته التي يعرضها كصك توبة أو استرضاء، ستسمح له بإعادة التموضع مثلما هي رواية (رقص) لمعجب الزهراني، معتبراً أن تلك الكتابة المغلوطة الناقصة تحمل المتلقي وزر اعوجاجها.