وزير التعليم الموقر حمد آل الشيخ.. وفقكم الله. بادئ ذي بدء، يطيب لنا تهنئتكم بشرف نيل ثقة خادم الحرمين الشريفين، باختياركم على رأس هرم التعليم، وأنتم أهل لتلك الثقة الكريمة، إن شاء الله، داعين المولى -عز وجل- لكم السداد والتوفيق. لا يختلف اثنان في العالم قاطبة على أهمية التعليم في أي مجتمع، لما فيه من أهمية كبرى في رقي الأمم وتقدمها وشموخها. معالي الوزير، تعلمون -وأنتم أحد رجال التعليم الذين عملتم في حضنه من قبل- أن العلم هو سلاح الأمم، وبه ترتقي الشعوب، وتسمو وتنتصر، وبه تصنع الدول العقول والحقول والمصانع والرجال والكلمة القوية، ومن دونه لا تقوم قائمة لأي أحد مهما بلغ من القوة والمال والنفوذ. لذا، سخّرت الدول والأمم جهدها ومالها ورجالها للعلم ولطلابه، فصعدت ونافست حتى أصبحت ممن يحسب لها ألف ألف حساب، ويؤخذ برأيها وقرارها وكلمتها، أما التي أهملت العلم والعلماء فهي كفقاعة الصابون التي سرعان ما تتلاشى وتتقهقر وتنفقع. معالي الوزير، أخاطبك من الميدان التربوي كأحد أبناء التعليم، فقد كنت طالبا في جميع مراحله، وموظفا في بعض مناصبه، ووليا لأمر عدد ممن درس وتعلم وتتلمذ في عالمه، وأقول بكل شفافية وموضوعية في طرح لا تشوبه شائبة، من محب لمهنته، ومخلص لدينه ووطنه ومليكه، التعليم لدينا يحتاج إلى قفزة تاريخية، حتى يأخذ مكانه ومكانته الطبيعية، قفزةٍ بحجم بلادنا وقيمتها وأهميتها وطموحها ورؤيتها الحديثة، نقلة نوعية غير تقليدية تجعل الطالب يشعر ويزهو بها، والمعلم وولي أمر الطالب يلمسانها ويجنيان ثمارها، وفوق ذلك كله ترضي ربنا، ثم ولي أمرنا «حفظه الله». معالي الوزير، تعاقب على وزارة التعليم عدد من الوزراء الذين بذلوا جهودا يشكرون عليها، اجتهدوا وقدموا ما في وسعهم، بعضهم أصاب وبعضهم لم يحالفه التوفيق الكامل. بعضهم ظن أن تغيير مسمى الوزارة أو شعارها هو الحل في تغيير نمط التعليم إلى ما هو أفضل، فمن اسم مديرية المعارف، إلى وزارة المعارف، إلى وزارة التربية والتعليم، إلى وزارة التعليم، ولكن في الحقيقة الطموح أكبر بكثير من تغير أسماء الوزارة أو شعارها، لأن ذلك ليس هو الهدف المنشود بقدر ما يمكن أن تقدمه الوزارة للوطن من كوادر متعلمة واعية مثقفة نافعة، صالحة للمكان والزمان. معالي الوزير، من الميدان التربوي -وبكل صراحة- ما زلنا نشعر بأن الأمور ما زالت تحتاج إلى العمل الدؤوب الذي يلمس نتاجه الجميع، وكلنا أمل في أن يتحقق ذلك على يديكم. معالي الوزير، إذا لم نصل إلى مرحلة نجد فيها المباني الحديثة المكتملة التجهيزات والمرافق والإمكانات والخدمات، والمباني ذات البيئة الحاضنة الجاذبة المشوقة للطالب والمعلم، إذا لم نجد الطالب يذهب إلى مدرسته بشوق ورغبة وجاذبية، إذا لم نجد المعلم المؤهل المتمكن وقد أُعطِيت حقوقه كاملة ليؤدي واجبه بكل مهنية وأمانة وإخلاص، إذا لم نجد ولي الأمر المدرك لقيمة المعلم فيوجّه ابنه إلى احترامه وتوقيره وتبجيله، فإذا ما أوجدنا ذلك كله، فإننا إن شاء الله سنجد التعليم لدينا أصبح في وضعه الطبيعي، وسنجني ثماره اليانعة عاجلا غير آجل، بإذن الله. أما ما نلحظه عن كثب في مدارسنا للتو واللحظة، فهو بمثابة «الطبطبة والتلييس»، فالطالب اليوم يذهب إلى مدرسته كسلان متثائبا، مدبرا غير مقبل، لأنه يعلم أنه لا يوجد فيها سوى «اقرأ واكتب» واجلس في فصلك «لا تتحرك لا تتكلم لا تلعب لا تجري لا لا لا.. كلها لاءات»، فلا تجده يشتاق إلى الذهاب للمدرسة إلا حينما تكون هناك حصة بدنية أو رحلة أو حفل «وجود المتنفس المشوق للطلاب في المدارس مطلب وهدف لا مناص منه»، ثم إن أفضل لحظة تمر عليه في اليوم الدراسي هي الخروج «الهرب من المدرسة» إلى المنزل، ليتنفس ويأكل ويلعب ويسعد. كذلك المعلمون، فقليل هم الذين يذهبون إلى المدارس بشوق ورغبة، فقد أصبحت مهنتهم مهنة المتاعب على غرار «الصحفيين». فالمعلم يذهب إلى مدرسته وتنتظره 24 حصة، وإشراف ومناوبة وانتظار وتصحيح، ووضع أسئلة واختبارات ورصد درجات، وثقافات مختلفة لجيل مدلع مدلل، وقد لا يكون له مكتب يستخدمه للتصحيح والجلوس الضروري، وقد لا توجد له غرفة تليق به وبزملائه خلال حصة الفراغ، أو بين الحصص للراحة والاستجمام، ولا يجد في مدرسته الإفطار المناسب، حتى إنك تجد المعلمين منتشرين في «البوفيات» القريبة من مدارسهم -خلال فراغهم- بغية الإفطار، ثم إنه لا تتوافر لديهم الوسائل التعليمية المناسبة والكافية، لتسهيل الدروس وتوصيل المعلومة، بل إن بعضهم يضطر إلى الدفع من جيبه الخاص كي «يمّشي» منهجه ويوصل معلومته إلى طلابه بما أمكن، ثم إن بعضهم لم يسلم من أذى بعض الطلاب وبعض أولياء الأمور. معالي الوزير، التعليم يحتاج إلى غربلة كاملة وقرارات صارمة، فلا يلتحق به إلا الأكفاء من المعلمين ومن في حكمهم، ومن لوحظ أنه مخطئ الجادة فلا مكان له في أشرف مهنة، كما أنه ينبغي ألا يمسك زمام قيادته في إدارات التعليم أو المدارس إلا النشطاء المبدعون المحفزون، ثم إنه ينبغي ألا يُترَك مجالٌ لأحد للمساس برجاله من المعلمين والإداريين، وغيرهم ممن شابت رؤوسهم وهم يعلّمون ويوجّهون ويرشدون الناشئة، حتى أصبحوا رجالا وأمهاتٍ بلغوا مبلغ العلم، فأصبح منهم الطبيب والمهندس والضابط والحرفي والفني والدكتور والوزير، وغيرهم كثير. أختم بما قاله أستاذي إبان دراستي في الجامعة، وكان عائدا حينئذ من دراسته في الخارج، بأن ابنه الصغير كان يوقظه يوميا في الصباح الباكر لشوقه إلى الذهاب لمدرسته هناك، وعندما عاد إلى الوطن أصبح يتحجج بالأعذار كي لا يذهب إليها، لأنه ببساطة افتقد الدافعية والبيئة الجاذبة للدراسة والذهاب إلى المدرسة، رغم أن الدولة -حفظها الله- تنفق أكبر ميزانية على قطاع التعليم في بلادنا الغالية. لكن يبقى تدبير الأمور من القائمين على التعليم، باستحداث أفضل المباني والطرق والوسائل، واستخدام الأسلوب الأمثل الحديث في تقديم التعليم في قالب حديث مطور، واستجلاب المهرة والخبراء، ورفع سقف تأهيل مستوى المعلمين المهني، وغرس قدر المعلم لدى المجتمع والطلاب، كي نحظى بتعليم ناجح، أهم مخرجاته جيلٌ نافع لنفسه ودينه ومليكه ووطنه.