أتحدث بحرقة عن القشور التي نستوردها نحن العرب. أقصد بالقشور ما يغلف الأفكار والمهام العلمية والعملية. فلا تجد وزارة إلا واستوردت نموذجا غربيا وشرعت في تطبيقه. وما إن يبدأ العمل حتى تجد أن الجهود تكاد تقتصر على لوحات إعلانية تشير إلى الفكرة. وتصريحات وصور تُطيَّر في وسائل التواصل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في وزارة التعليم -ولنبدأ بالجامعات- أصبحت الأبحاث العلمية تعمد على تكثير وتنويع المراجع العلمية في البحوث، على حساب الهدف المنشود وهو الفائدة العلمية. فتجد بعض الرسائل العلمية تقارب الألف صفحة وأعداد المراجع فيها بالمئات، وما إن تنتهي من القراءة حتى تجد أن كل ذلك قشور، ولم يصل البحث إلى نتيجة مقنعة أو حتى توصيات ترتقي بمستوى الغلاف. وفي التعليم العام، تجد مسميات البرامج التوعوية تتحول إلى محاولات تصوير ونشر. وأقرب الأمثلة، مسميات الأيام مثل: يوم المعلم، ويوم اللغة العربية، فالفكرة تقتلها آلية العمل، فيكاد العمل لا يتجاوز أزرار التصوير. كم أتمنى أن يقل الاهتمام بالتصوير في جميع المؤسسات الحكومية. فالتصوير هو السبب الرئيسي في التركيز على القشور. فدون التصوير قد لا تجد بعض المؤسسات فائدة من تطبيق بعض البرامج، أو ينصبّ اهتمامها على الفائدة الفعلية من تلك البرامج. وعلى صعيد آخر، أطلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية مبادرة أنسنة المدن، وهي من المبادرات الجميلة. فتوجّه الاهتمام نحو تجميل مظهر المدن، وذلك على حساب جودة المرافق التي تحتاجها المدن لتصبح مدنا إنسانية. فلفكرة «أنسنة المدن» روح، وهي أن تكون المدينة ملائمة للحياة المدنية، وللفكرة أيضا قشور وهي جمال المدينة. فما فائدة جمال المدينة مع رداءة المرافق التي يحتاجها الإنسان. إن الغرب الذي صدّر فكرة أنسنة المدن، لم يهتم بجمال المدينة بقدر الاهتمام بملاءمة المرافق للإنسان. فجودة زراعة الأنجيلة في الحدائق أهم من جمال سور الحديقة.