تلتفت شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، فحيثما وليت وجهك واستكان مؤشر بوصلتك فلا ترى إلا ما خلفه ما يسمى حمقا بالثورات العربية، والخريف العربي الذابل، من دمار وتخلف عن ركب الحضارة والتطور، وتخندق للبشر في خنادق حزبية ضالة مضلة، نتج عن ذلك دمار لمقدرات الشعوب ومكتسبات حضارات عريقة وتاريخ عربي أصيل، وقد نكست بهم عقارب الزمن أزمنة إلى الوراء، وفي تلك اللحظات التي كانت تلك الدول تئن من جراحها وترزح تحت طائلة ما خلفته تلك الثورات من دمار وتخلف، تجد المملكة العربية السعودية شاخصة تعيش ثورة حقيقية من نوع آخر، ثورة استثمرت العقل البشري السعودي، وآمنت به وراهنت على ولائه لوطنه وقادته وإبداعه، فما خابت الآمال فتفجرت تلك الثورة في بناء الشخصية السعودية المتميزة، والتي أبدعت في كل مجال، فأبحروا في بحار الطب والعلوم والطيران والإبداع، فكانوا قادة وكانوا عنوان التميز والدهشة لكل من عرفهم وتعامل معهم. ولم يتأتَ لهم ذلك إلا حين عاشوا في حاضنة وبيئة تعزز في أنفسهم كل ذلك الإبداع وتلك القيم، فكانت تلك الحاضنة تستمد قوتها من عبق التاريخ والجغرافيا والحاضر، التي لا يزايد عليها إنسان ذو علم ودراية.. توجت تلك الحاضنة بقيادة رشيدة وضعت مصلحة المواطن فوق كل اعتبار وارتقت به سلالم المجد والعلياء، فكان كتاب الله وسنة رسوله دستورها مما جعلها فريدة في هذا الكون.. وهيأ لها من أبنائها ولاة أمر خطوا أحلامهم كي تعانق السماء، فتولد عن ذلك رؤية تحقق أحلامهم وتجعلهم في مقدمة صفوف العالم المتقدم، وتستغل كنوزهم، سواء ما كان في باطن الأرض أم الإنسان، فتفتقت السبل التي تؤدي إلى تطور ونمو وتقدم حقيقي، سواء أكان ذلك في مجال التعليم وما ينتظره من خطوات لتحقيق الرؤية الحالمة، ومن صناعة رسمت في الرؤية لكي تجعل هذا البلد مستقلا بقراره وصناعته، أم كانت في فكر جديد نحو الإبداع بمشاريع ترقى فقط إلى فكر الكبار، ويصعب على من دون ذلك فهمها أو مجاراتها، وحينما بانت الرؤية ورست بوصلة التطوير والإبداع إلى الاتجاه الواعد، وأدرك الحاقدون والأعداء ذلك التوجه واستوعبوا يقينا ماذا تعني تلك الرؤية، فكان الاستهداف الواضح والهجمة المسعورة تجاه هذا البلد الآمن وتجاه قادته، وعيا من هؤلاء الأعداء بأن ذلك التوجه المتزن سيغير موازين القوى ويبدد الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية، حيث نلاحظ في هذا الوقت الهجمة الشرسة والإعلام الزائف المحموم والكاذب، الذي نعلم يقينا مَن يقف خلفه من ضعاف النفوس والحاقدين وأعداء هذا البلد وقادته، ولكن كانت كل تلك الهستيريا الإعلامية وقودا زاد المواطن السعودي فخرا واعتزازا بقادته وتمسكا باللحمة الوطنية والثوابت الدينية، التي أعجزت أعداءنا في سابق الزمان وفي زماننا. فتساقطت تلك الأبواق واحدا تلو الآخر، ولم يبق إلا وطن شامخ كشموخ جبل طويق يرعاه الله برعايته، ثم بمليك عادل وحازم وعازم غير دفة سفينة التاريخ إلى مرفأ أمل مشرق، وتحت ظله يقود الرؤية الطموحة صقر عربي أصيل باسطا جناحيه ما استوعبه الأفق، ولا يعبأ بنعيق الغربان ولا هدير خفافيش الليل، وأبى أن ينظر تحته للنابحين وهو محلق في أعالي السماء بكل ثقة وتوازن. هذه يا سادة هي الثورة السعودية التي يجف حبر الكتاب في وصفها ويجب أن يتعلم منها المنظرون ويلحقوا بها.. ثورة ذات ثوابت راسخة ورعاية إلهية وقيادة ملتحمة بشعبها، وشعب سرى في شرايينه حب قادته واعتزازه بهم. فامضي يا بلادي واعبري آفاق المستقبل المزهر والواعد بقيادة ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز، وبهمة ولي عهده القوي الأمين محمد بن سلمان.. بعون من الله وتوفيقه.