يُشكل المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية، الذي انطلق الخميس الماضي، فرصة ثمينة لإبراز عناصر التراث الثقافي المادي والمعنوي للمملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي، خاصة أن المهرجان هو الحدث الأبرز من نوعه على مستوى العالم، إذ يستقطب على مدى أسابيعه الثلاثة حضورا جماهيريا غير مسبوق من قبل الملايين من عشاق التراث والأصالة من السعودية ومنطقة الخليج العربي وسائر أنحاء العالم، مع تسابق المئات من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، المقروءة والمسموعة والمرئية، لتغطية مختلف الفعاليات الغنية للمهرجان. ويعكس المهرجان بشكل فريد من نوعه الثقافات المتوارثة من عادات وتقاليد وسلوك في كل منطقة من مناطق المملكة، حيث تتعدد اللهجات والعادات ليتم ترسيخها في المهرجان الوطني للتراث والثقافة، سواء في تراث المناطق، أو من خلال السوق الشعبي، حيث الكتاتيب والألعاب الشعبية وسوالف الأولين في جلسة تراثية تُحفظ فيها البساطة وكينونة المجتمع آنذاك. ويمكن القول إن التراث الثقافي وفقا لليونيسكو، هو التراث الحي للإنسانية، فهو يشمل مُجمل الأشكال التعبيرية والعادات والتقاليد، ويعني نقل المعارف والمهارات والمعاني والقيم من جيل لآخر، ومن شأن ذلك أن يُعزز من مشاعر الفخر لدى الدول والمجتمعات والأفراد، وأن يخلق الاحترام والتفاهم والسلام بين الشعوب، ويساعدها على تحقيق التنمية المستدامة.
التراث العمراني للمناطق يُبرز المهرجان تميز مختلف المناطق السعودية بالتراث العمراني الذي يمثل كينونة كل منطقة، وكذلك عناصر التراث من حرف يدوية وأكلات شعبية ومتاحف، بالإضافة إلى عكس عادات وتقاليد كل منطقة من أهازيج وفنون شعبية، لتشكل بذلك تنوعا ثقافيا وتراثيا يعكس ما كانت عليه مناطق السعودية في الماضي.
السوق الشعبي ملتقى واحد عكس ذلك التنوع الكبير في الموروث الشعبي السعودي، وذلك بتخصيص دكاكين وورش عمل لكل حرفي من كل منطقة في السوق الذي يعتبر النواة الأولى في تأسيس المهرجان منذ بداياته، مع وجود مواقع لكل منطقة بالقرية لإبراز تراثها العمراني وموروثها الشعبي. وقد تمكّن السوق الشعبي من رسم صورة واقعية لعناصر التراث المادي والمعنوي على حدّ سواء، فنجد في أرجائه تنوّع الحرف اليدوية، وكذلك أنماط العادات والتقاليد من ألعاب شعبية ومدرسة الكتاتيب، بالإضافة إلى عروض الحرف البحرية من شباك صيد ونهام وطواش وقراقير، في صورة بانورامية متنوعة يحفظ فيه عمق ذلك التنوع في مكان واحد.
الحرف اليدوية يحرص المهرجان الوطني للتراث والثقافة على دعم الحرفيين، من خال اختيار الحرف اليدوية لكل منطقة وفق ضوابط وآليات خاصة، حيث تتعدد تلك ورش العمل التي تجعل من الزائر يُدرك ما كان عليه الآباء والأجداد من معاناة في خلق تلك الحرف، وقد بلغت أعداد تلك الحرف اليدوية والحرفيين أكثر من 300 حرفة يدوية منتشرة في أنحاء المهرجان.
الورّاق من المهن اليدوية التراثية التي اندثرت، واعتبارا من هذا العام وللمرة الأولى ستتواجد في السوق الشعبي، حيث سيتمكن الجمهور من ملاحظة قيام الحرفيين المختصين في تجليد الكتب وتصفيفها حفاظ عليها من التلف، بأدوات الحرفي البسيطة مثل الخيط والإبرة والمقص ومادة الصمغ ليظهر بعد ذلك الكتاب بالمظهر الجميل والمقبول، بالإضافة إلى التحبير والكتابة التي تعتمد على خطاط في كتابتها في لوحة يدوية جميلة يجمعها واقع تراثي يهتم بثقافة الحِرفي والحرفة واهتمام الإنسان السعودي في ذلك الوقت بثقافته كمبدأ مهم في تنمية المعرفة.
الأنشطة النسائية يشارك في هذا العام النشاط النسائي بعدة فعاليات تستهدف الحرف اليدوية والأسر المنتجة، وكذلك استقطاب الموهوبات في فن الزخرفة والرسم وغيرها، وإبراز دور ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مشاركتهم لهذا العام مع بعض الجمعيات في الجناح الخاص بالأنشطة النسائية، وإقامة دورات حرفية للزوار.
المزرعة التقليدية تعتمد على تعريف الزائر على مهنة أو حرفة اعتمد عليها المواطن السعودي منذ القدم، باعتبار أنها كانت المصدر الرئيسي لمعيشته، يعرض فيها لوسائل الحرث والأهازيج التي يرددها الفلاح أثناء عمله.
مدرسة الكتاتيب يتم من خلالها تقديم لوحة فنية تمثيلية يقوم فيها المعلم بمشاركة أبنائه الطلاب، مع وجود ساحة بجانب المدرسة للألعاب الشعبية القديمة، فيما يستكشف الجمهور خروج الطلاب من المدرسة بطريقة جميلة توحي بحياة الطلبة في الماضي.