كنت أعتقد أن قناة الجزيرة وحدها من هوت في وحل السقوط المهني الإعلامي، ولكن الذي فاتني في متابعة الشأن العالمي حول منصات ومنابر الإعلام أن ذلك الوحل ممتد إلى الإعلام الغربي، ليشمل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ورويترز، وسواهم من الإعلام المأجور والمتناغم مع الأموال المشبوهة من تنظيم الحمدين في الدوحة أو تنظيم الملالي في طهران، أو من ذوي المؤامرات على المنطقة كمروجي نظريات الشرق الأوسط الجديد، أو فلسفة الفوضى الخلاقة، وهؤلاء دائما ما نجدهم في تعاطفهم مع تنظيم الإخوان وأجنداته في المنطقة، لا سيما أن الأخير في نظرهم هو الأداة الفعالة لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة، ولذا نجد إعلامهم مسعورا بالحملة العشوائية التي تشنها هذه المجموعة بوسائطها الإعلامية وبنمطية متعاقبة متآمرة وممنهجة ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفائهما في المنطقة. فمثلا عندما تفرغ صحيفة عريقة كواشنطن بوست صفحة الرأي وهي المخصصة لأساطين الثقافة والفكر في أميركا لشخصية شبه متخلفة كمحمد علي الحوثي، وهو زعيم الإرهاب وقائد عصابة التمرد على الشرعية في صنعاء، كرأي ثقافي أو سياسي، وهو شخصية تجهل أبجديات الكتابة أو الحوار، ومظهر من مظاهر التخلف والبلطجة، كما هو مشهود عنه في الأوساط اليمنية، هذه الصورة انعكاس جلي للحالة المزرية والمتردية التي وصل لها الحال في الإعلام الأميركي ومنصاته المتنوعة. حالة أخرى لا تقل عن الأولى في مدى سقوط المهنية وانحدارها في الإعلام الغربي، تتجلى في أميركا وأوروبا بمنهجية قد نسميها بميزان الكفة الواحدة، بمعنى أنه في الفترة المؤخرة وجد العالم العربي ذاته مهمشا في الإعلام الغربي، فتارة نجد تعاطفا مع القوى الانقلابية في صنعاء، وتارة أخرى نجد لقاءات وحوارات مع زعماء الملالي وقادتهم، وربما لمسنا ميلا صارخا من الإعلام الغربي مناوئا للإصلاحات السياسية والاقتصادية في المملكة، وكأنهم يريدون من الرياض أن تبقى أسيرة لبراميل النفط الناضبة، فبالرغم من ادعاءاتهم بالمهنية المقتضية نقل الصورتين المتواجهة إلا أننا نشهدهم مختصين بالصورة المناوئة للعرب، لا سيما للمملكة والإمارات ومصر، وربما لو بحثنا بدقة وحللنا هذا التصوير التضليلي في الإعلام الغربي لوجدناه -للأسف الشديد- يعتمد بركيزة أساسية على إعلام شبكة قنوات الجزيرة، هذه الآفة الإعلامية في منطقتنا، وقد شهدت الساحة الإعلامية بينهما مؤخرا بروز عمليات إعادة التدوير للأخبار بصورة احترافية لا يجمعها إلا هدف الإساءة للمملكة ومقوماتها الأساسية، لا سيما أن شبكة الجزيرة الإخبارية تتحصن وراء جدر من الأجندات الاستخباراتية الأجنبية في المنطقة، وهذا يرسم لنا مؤشرا خطيرا على سقوط المهنية في الإعلام الغربي. صورة أخرى لتهاوي تلك المهنية تتجلى في رواج الشائعة والتكبير المجهري للأخبار والقضايا المحلية في الخليج والمنطقة العربية عموما، وهذه النمطية التلفيقية سيئة وصورة للسلبية في الإعلام بشكل عام، ولذا دائما ما يراد منها استهداف شريحة غوغائية الجمهور والبسطاء والعامة، أما المتعلمون والأكثر إدراكا كالجامعيين وحملة الشهادات والتنويريين والمثقفين فيتم توجيههم بطرق أكثر احترافية في التضليل الإعلامي، كبرامج الحوار والنقاشات عندما يتم اختيار الخبير الأكثر دراية لترويج الرسالة المراد إيصالها إلى ذهنية المتلقي، مقابل اختيار الضيف الآخر على درجة أقل، وربما إلى حد السذاجة أحيانا للفكرة المقابلة، وهذه نمطية معهودة ومشهورة في أنماط التضليل الإعلامي. صورة أخيرة لمحناها تتكرر في منصات كل هذه المنابر المشبوهة تتعلق بالتشكيك الممنهج حول المشاريع الاقتصادية والتنموية والسياحية والتعليمية في المملكة، وهذه المنهجية البائسة بدأت قديما مع التاريخ التنموي لدول الخليج العربي ومع تأسيس المملكة العربية السعودية، ولكن الشعب السعودي والشعوب الخليجية اليوم أضحت على درجة عالية من الوعي، وتدرك كل صور السقوط المهني في الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي على حد سواء، ويشكلون مع قياداتهم الرشيدة والحكيمة صورا فريدة ورائعة من التلاحم نحو المستقبل المنشود.