في أحد الأيام، نشر الروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو قصة قصيرة، قال فيها: «كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين تعب الأب من مضايقات ابنه، قام بقطع ورقة في الجريدة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها قطعا صغيرة، وقدمها لابنه، وطلب إليه إعادة تجميع الخريطة!، ثم واصل قراءته للجريدة ظانّا أن ابنه الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر 15 دقيقة حتى عاد الابن إليه، وقد أعاد ترتيب الخريطة»! فتساءل الأب مذهولا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟ رد الطفل قائلا: لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدتُّ بناء الإنسان، أعدتُّ بناء العالم! كانت عبارة عفوية من الطفل، لكنها كانت ذات معنى عميق. «عندما أعدتُّ بناء الإنسان، أعدتُّ بناء العالم»، فالأهم هو بناء الإنسان! إن دولا، اليوم، تعد من أرقى الدول وأفضلها في مجالات شتى، هي دول استطاعت أن تتجاوز كثيرا من محنها التي أصابتها جراء الحروب والاعتداءات والكوارث، تجاوزتها بكل جدارة حين أقرت بقيمة الإنسان، وأنه العنصر الأساس في بناء أي مجتمع، ثم بناء العالم. لذا، قالت رئيسة فنلندا في أحد لقاءاتها: «نحن لا نملك سوى الإنسان، فنحن نستثمر في الإنسان!». فنلندا اليوم، هي دولة رفاه اجتماعي واسع ومتوازن، ودائما ما تتصدر المقارنات الدولية في الأداء الوطني، واستطاعت أن تتصدر قائمة أفضل بلد في العالم عام 2010 من ناحية: الصحة، والاقتصاد، والتعليم، وتجويد الحياة، وما ذلك كله إلا بسبب اهتمامها ببناء الإنسان، والاستثمار فيه، وإكرامه! ومن خلال هذا ندرك جميعا ما للإنسان من أهمية في بناء أي مجتمع، فما المجتمع إلا أفراد!. وأهم طريقة تُتخذ لبنائه هي التربية السليمة، والتربية التي تُعنى بتنمية الوظائف الجسمية، والعقلية، والخُلقية، كي تبلغ كمالها هي عملية تتداخل فيها عوامل كثيرة، وتتجاذبها مؤثرات كبيرة، ومن هنا يبرز دور الحكومات في هذه العملية البنائية الحيوية، وذلك خلال مؤسساتها المتفاعلة مع الفرد: كالصحة، والتعليم، والثقافة، والإعلام، والرياضة، وغيرها. ولا يشك أحد في أهمية التربية التي من شأنها تحقيق الأهداف الكبرى لأي مجتمع، ثم إسعاد الإنسان الذي هو أسُّ المجتمع، وقاعدته الحقيقية! ولعل القائمين على التعليم في بلادنا يدركون هذا، ويسعون إلى أن يكون عملهم عملا للتاريخ، تعيشه أجيال، وتشهد فتراته ومراحله، وتتطلع إلى أن تكون نتائجه ومخرجاته نتائج عظيمة ومخرجات مبهرة، ومعهم أتطلع إلى أن تقرر في مراحلنا التعليمية مادة التربية الأخلاقية، والتي تعد قوة دافعة للسلوك والعمل، فالقيم والأخلاق المرغوب فيها، متى تغلغلت في نفس الفرد، جعلته يسعى دائما إلى العمل على تحقيقها من مبدأ الالتزام الأخلاقي، والشعور بالمسؤولية الأخلاقية، وبهذا نكون قد أسهمنا في بناء إنسان سوي متحضر، يبني مجتمعا طموحا متقدما متطورا راقيا.