أربعة أحداث منفصلة في ديسمبر، اتجهت نحو تأمين المنطقة الأكثر حيوية في العالم "الخليج العربي"، الأول مؤتمر أمن الخليج السابع المعروف بحوار المنامة، الذي عقد بالبحرين في الثالث من ديسمبر، بمشاركة دولية واسعة دبلوماسية وعسكرية، الثاني القمة الخليجية الاستثنائية التي انعقدت بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، الحدث الثالث منتدى أمن الخليج العربي الذي انعقد في منتصف ديسمبر، بالعاصمة الفرنسية باريس، والحدث الأبرز تعيين علي أكبر صالحي الذي يعد رأس هرم برنامج إيران النووي وزيرا لخارجيتها بالإنابة، والذي تشير المعلومات الدبلوماسية التي حصلت عليها "الوطن" إلى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يسعى من خلال "صالحي المتقن للعربية بطلاقة" إلى "بناء حوار فعّال مع الخليجيين من أجل تأمين المنطقة وبذل مزيد من التفاهمات بين دول الجوار". وحاول صالحي عقب تسلم منصبه تمرير "رسالة سياسية" إلى الرياض مركز الثقل الخليجي ب"أن الخطوط العريضة لسياسة بلاده الخارجية في المرحلة المقبلة، تعزيز العلاقة مع السعودية وتركيا" مضيفاً "تستحق السعودية إقامة علاقات سياسية مميزة مع إيران، ويمكنهما كدولتين فاعلتين في العالم الإسلامي حل الكثير من المشكلات معاً". الخليج وطهران الملف الإيراني ظل في قائمة "أكثر الملفات حساسية على طاولة القادة الخليجيين منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979"، في منطقة لها أهمية استراتيجية عالمية، وقمة أبوظبي الأخيرة أشارت لذلك بكل وضوح، ويقول الدبلوماسي الإيراني السابق والمتخصص في الشؤون الدولية أمير الموسوي، في حديث خاص إلى "الوطن" إنه يجب " على الخليجيين والإيرانيين محاولة الابتعاد عن الضغوط الأميركية، فلا يمكن لكل طرف من اللاعبين الإقليميين الأساسيين أن يستأثر بإدارة المنطقة بعيداً عن توجهات الطرف الآخر"، وأكد موسوي في معرض حديثه " أن العقد المقبل يمكن أن يحمل توجهات جديدة في العلاقة الإقليمية" مستشهداً موسوي بما حصل من اتصالات هاتفية بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس نجاد في "الملف اللبناني"، وأوضح الدبلوماسي الإيراني أن برنامج طهران النووي يشكل عائقاً حقيقياً في تقبل دول مجلس التعاون، إلا أنه يشير بإمكانية تخطي ذلك عبر "نقل الخبرات النووية الإيرانية السلمية لدول الخليج، إلى تشكيل لجنة ثقة من الدول الخليجية لمراقبة البرنامج النووي حتى لا يخرج عن الاستخدامات العسكرية". توافق أميركي إيراني إلا أن رئيس مركز الخليج للأبحاث بدبي عبد العزيز عثمان بن صقر، أخذ منحى مختلفا في طبيعة الأمن الخليجي، وهو ما أشار إليه ب"التوافق الأميركي الإيراني في الخليج"، ويشبه ذلك عودة إيران "كشرطي للمنطقة"إبان نظام الشاه المخلوع عقب قيام ثورة الملالي (رجال الدين)، ويضيف ابن صقر في حديثه إلى "الوطن" :" من الضروري أن يأخذ الموقف الخليجي في حساباته اعتبارات التغيرات الجذرية التي قد تخل بمضمار العلاقات الإيرانية الأميركية، مما سيؤثر بشكل مباشر على المصالح العليا لدول الخليج العربي"، وحدد ابن صقر معالم تلك العلاقات بأن "موافقة الولاياتالمتحدة على استمرار البرنامج النووي الإيراني أمر وارد بشروط محددة، فواشنطن ستكون مستعدة ضمن صفقة واسعة مع طهران لقبول أو غض الطرف عن عملية تطوير البرنامج النووي إلى مرحلة متقدمة جداً بشرط إحجام إيران عن تصنيع قنبلة نووية". ويرى ابن صقر أيضاً " من المحتمل أن تقوم طهران بالإعلان رسمياً عن تغير موقفها تجاه إسرائيل، عبر التخلي عن معارضتها لحل سلمي لأزمة الشرق الأوسط، والإعلان عن تأييد السياسة الأميركية في تسوية القضية الفلسطينية على أساس مبدأ حل الدولتين"، ويتخوف ابن صقر "من أن التغير في الموقف الإيراني في القضية الفلسطينية سيأتي بثمن باهظ وضمن صفقة استراتيجية أميركية، تحصل طهران من خلالها على مكاسب استراتيجية تؤثر سلباً على موازين القوى الإقليمية"، موضحاً " وجود اعتراف أميركي بوجود مصالح إيرانية مشروعة في العراق ولبنان وأفغانستان، وربما في مناطق أخرى، وهو أمر لا يجب استبعاده من الحسابات الخليجية، مما يعني تعايشا أميركيا مع السياسة التدخلية الإيرانية في الشؤون العربية، والتي من المحتمل – وفقاً لرئيس مركز الخليج للأبحاث- أن يتطور هذا الاعتراف إلى بناء أسس لتعاون بين الطرفين في مناطق النزاع التقليدي، هذا النوع من التطور في حالة تجسده سيشكل عنصراً مقلقاً لمصالح الدول الخليجية والعربية بشكل عام، حيث سيزيل الضغوط الأميركية على إيران، ويمنح حكومة طهران هامشاً من الحرية لتعزيز نفوذها في مناطق حيوية من العالم العربي". ويشير ابن صقر إلى أنه" بالرغم من مصلحة دول الخليج العربي إنهاء حالة التوتر والصراع في العلاقات الأميركية الإيرانية، فإن حدوث تغيرات جذرية في الموقف الأميركي تجاه إيران، سيولد آثاراً سلبية على سير العلاقات الخليجية الأميركية، فمحاولة تحقيق مطالب إيران الاستراتيجية من واشنطن ولو بشكل جزئي، سيرتد سلباً على باقي الشركاء الإقليميين وبالخصوص دول مجلس التعاون التي يحافظ أغلبها على علاقات تحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة". حديث ابن صقر يتقاطع مع ما ذكره خبير الشؤون الاستراتيجية لدول الخليج العربي الدكتور عبد الله النفيسي الذي قال "واشنطن لا تستطيع أن تصفي النفوذ الإيراني في العراق، والعكس صحيح أيضاً"، مؤكداً " أنه منذ عام 2004، وهناك حوارات جادة بين طهرانوواشنطن، ولم تكن دول الخليج حاضرة ولو بصفة مراقب في الحوارات الإيرانية الأميركية". ويعود ابن صقر ليقول " من الضروري أن تضع دول الخليج وضع تبدل مواقف وسياسات الولاياتالمتحدة الأميركية تجاه إيران، واحتمالية قيام تحالف وتعاون استراتيجي بين واشنطنوطهران على حساب المصالح الخليجية واردة وبقوة، وعليها أن تتحسب لترجمة ذلك على أرض الواقع، وأن يكون لديها من البدائل والسياسات ما يضمن عدم المساس بمصالحها". حاجة عالمية للأمن في الخامس عشر من الشهر الجاري تناول منتدى أمن الخليج العربي الدولي الأول الذي استضافته العاصمة الفرنسية، القوى الدولية وأمن الخليج، المشاريع النووية وتأثيراتها على أمن الخليج وأخيرا الإرهاب والتطرف وأثرهما على أمن الخليج. وحضره شخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى، وخبراء وباحثون من دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وإيران والعراق ومصر والمغرب واليمن ودول أوروبية والولاياتالمتحدة الأميركية وكندا وممثل عن الحلف الأطلسي.كما ألقى المنتدى الضوء على استراتيجيات الأطراف الإقليمية والدولية وعلى حسابات كل جهة إزاء منطقة تحتضن ثلثي الاحتياطي النفطي في العالم. وبينت المداخلات أن أحد عناصر اختلال التوازن في الخليج تغييب العراق كقوة عسكرية وازنة كما أظهرت استراتيجيات دول المنطقة الباحثة عن ضمانات خارجية لأمنها بسبب صعوبة التوصل إلى ضمانات إقليمية. وخلص المجتمعون إلى أن "أمن الخليج حاجة عالمية وليس فقط مصلحة إقليمية أو وطنية. غياب أوروبي في الضفة المقابلة انتقد رئيس معهد الأورو – متوسطي الوزير السابق هيرفيه دو شاريت "الغياب الأوروبي"، حيث قال إن :"من مصلحة دول مجلس التعاون الحصول على ضمانات متعددة وليس الاكتفاء بالدور الأميركي وحده"، وربط دو شاريت بين توفير الأمن والاستقرار في الخليج وبين إيجاد حل للموضوع الفلسطيني من جهة وعودة العراق عنصرا فاعلا على المستوى الإقليمي من جهة أخرى. ورصدت ورقة عمل بعنوان "القوى الدولية وأمن الخليج : دورها الحالي واستراتيجياتها" بمنتدى باريس الأخير، المواقف الراهنة، حيث أكدت أن ظهور بديل فعال للدور الأميركي الذي يشهد ضموراً وتراجعاً تدريجياً في المنطقة ما زال غير وارد أو محتمل الحدوث في المستقبل القريب، فلا وجود لقوى خارجية بديلة ترغب أو تستطيع توفير المتطلبات الأمنية والدفاعية التي تسعى إليها معظم دول الخليج العربية. تقول الورقة التي حصلت "الوطن" على نسخة منها "إن الموقف الراهن لحلف شمال الأطلنطي بعد انتهاء الحرب الباردة، وبداية الحرب الدولية على الإرهاب يورط الحلف في الحرب الأفغانية والتي كانت بمثابة المدخل لمحاولة الحلف للتمدد نحو منطقة الخليج العربي، وجاءت مبادرة إسطنبول للتعاون 2004م، (ICI)، التي وقعت عليها الدول الخليجية باستثناء السعودية وسلطنة عمان، حيث كانت أول محاولة من جانب الحلف لتأسيس علاقة تعاقدية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي على أساس التعاقد الفردي، إلا أن المبادرة لم تقدم أي ضمانات أمنية أو دفاعية لدول مجلس التعاون، واقتصرت على عرض التعاون في مجالات محددة أكثرها ذو طابع فني"، وقالت الورقة "حلف شمال الأطلسي سيظل هامشياً ولن يكون له دور حاسم مؤثر في مستقبل منطقة الخليج ما لم يساهم في توفير ضمانات أمنية ودفاعية حقيقية لدول المنطقة". أما عن الموقفين الروسي والصيني فأشارت الورقة إلى أنه ليس لكلتا الدولتين دور حقيقي أو ثقل استراتيجي في شؤون منطقة الخليج العربي، وخاصة منذ انتهاء الحرب الباردة" مبررة ذلك "بغياب البعد الاستراتيجي .. فإن روسيا لا تمتلك علاقات اقتصادية واسعة مع دول منطقة الخليج، ودورها أيضا كمزود للسلاح يعد دوراً محدوداً" أما المارد الصيني فإنه يتمتع بعلاقات اقتصادية متنامية مع دول المنطقة، خاصة في مجال توريد الطاقة، لكن هذه العلاقة لم تأخذ بعداً استراتيجياً حتى الآن" ولم تغفل الورقة الدورين الصيني والروسي المهمين في قضية "التعامل مع الطموحات النووية الإيرانية، مما له تأثيرات مهمة على استقرار وأمن منطقة الخليج". اليمن .. الحديقة الخلفية أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعة صنعاء الدكتور جلال إبراهيم فقيره، قال " شهد المسار العام للعلاقات اليمنية الخليجية جملة من القضايا ذات الصلة بالملفات الأمنية تأتي في مقدمتها أزمة الخليج والحرب التي تلتها في 1991، حرب الخليج والاحتلال الأميركي للعراق 2003، ملفات الحدود اليمنية مع كل من عمان والمملكة العربية السعودية، انتشار السلاح في اليمن، الاضطرابات الأمنية في المحافظات الجنوبية اليمنية، الحروب الست في صعدة، تنامي خطر القاعدة، القرصنة في البحر الأحمر، تفجير المدمرة الأميركية (يو إس كول) في أكتوبر 2000 التي كانت تقف في ميناء عدن بهدف التموين، وما تلا ذلك من أحداث جسام شهدتها الولاياتالمتحدة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم تدمير ناقلة النفط الفرنسية لومبيرج في أكتوبر 2002 قبالة ميناء المكلا".وأضاف فقيره "يكشف تحليل العلاقات اليمنية الخليجية في الفترة الممتدة بين 2004 – 2007، أن درجة كثافة التفاعلات الأمنية بين اليمن والسعودية كانت عالية مقارنة بعلاقات اليمن ببقية دول الخليج". ودعا أستاذ العلوم السياسية إلى "بنية أمنية خليجية جماعية مع صنعاء لا ثنائية فردية"، موضحاً " أن التهديدات الأمنية تطال الجميع، اليمن ودول مجلس التعاون، وهذه الحقيقة تستدعي إعادة التفكير في البنية الأمنية الخليجية المفترضة، وعلى نحو يجعل من اليمن عنصراً رئيساً في الترتيبات الخليجية الجماعية، وليس فقط مجرد قضية من قضايا الأمن في الخليج". أمن إقليمي لم تكن صفقتا الأسلحة السعودية الأخيرتان بعيدة عن نظرة السياسي السعودي للأمن الإقليمي ففي حديث خاص إلى "الوطن " قال أستاذ علم السياسة الدكتور خالد الدخيل، إن "صفقات الأسلحة السعودية تأتي في منطقة إقليمية غير مستقرة عموماً، بسبب التوازنات الإقليميةالجديدة"، ويضيف "الخليج بعد خروج العراق من توازنات المعادلات الإقليمية ما بعد حرب الخليج الثانية (احتلال الكويت)، أضحى تحت الضغط الأميركي والإيراني"، مشيراً إلى " أنه بعد سقوط العراق في أبريل 2003، وخروجه من المعادلة الإقليمية، أضحت إيران هي الطرف الإقليمي الوحيد القوي، خاصة بعد تراجع واشنطن بسب أزمتها المالية عن إدارة ملفات الخليج"، واعتبر أن صفقات الأسلحة السعودية تهدف إلى "معادلة التوازنات الإقليمية". ويربط الدخيل بين تلك الصفقات والحضور الإيراني الفاعل في أكثر إقليم سخونة وأهمية في العالم، بقوله "منذ 2008، وطهران تتصرف بشكل عدواني واستفزازي في عدد من الملفات مثل لبنان، العراق، مطالبتها عبر عدد من الدوائر بضم مملكة البحرين لجغرافيتها السياسية". وفي محور آخر أشار رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية اللواء ركن متقاعد الدكتور أنور عشقي في أحد تعليقاته الإخبارية إلى أن صفقات الأسلحة السعودية، "تأتي من البوابة الشرعية لتدعيم الترسانة العسكرية ضمن خطط تطويرية تستهدف بناء القوات المسلحة" معتبراً ذلك "حقاً مشروعاً في الحفاظ على الأمن الإقليمي للبلد". وتتقاطع تصريحات عضو مجلس الشورى السعودي السابق الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة، مع كل من اللواء عشقي، والدكتور الدخيل في حوار له مع تلفزيون دويتشه فيله الألماني، بقوله "إن السعودية بحاجة إلى هذه الأسلحة لحماية نفسها وشعبها، باعتبار أن المملكة تعيش في منطقة مضطربة، وتعرف عدم الاستقرار في كل من العراق واليمن بالإضافة إلى التهديد الإيراني".