مع ثورة السعودة التي قامت بها وزارة العمل في المملكة، كان أول قرار اتخذ بهذا الخصوص ونجح بالفعل، هو قرار سعودة مراكز كبائن الهاتف، والتي أنشئت بقرار من مجلس الوزراء عام 1417، وجرى حصر الاستثمار والعمل فيها على المواطنين فقط، وحقق هذا القرار الذي قصد منه فتح مجال الاستثمار والعمل أمام المواطنين نجاحاً منقطع النظير، إذ أُنشئ أكثر من 4500 مركز في جميع أنحاء المملكة، واستوعبت تلك المراكز ما يقارب 16 ألف مواطن، إضافة للاستفادة غير المباشرة التي عادت على ملاك المواقع العقارية التي افتتحت فيها كبائن الهاتف. ويتذكر المواطن علي الغامدي "60 عاماً" بداية افتتاحه لعدد من الكبائن الهاتفية في مشروع شكل ربحاً لا يستهان به، إلا أن الحال لم يستمر كما كان يرغب، فبعد قيام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بتولي الإشراف على قطاع الاتصالات بدأ قطاع الكبائن الهاتفية في التردي، نتيجة لاحتدام المنافسة بين شركات الجوال وعدم قيام الهيئة بفرض العدالة بين المتنافسين والمساواة بين قطاع الكبائن الهاتفية وبين هذه الشركات. وقال الغامدي: "لا نملك إمكانات المنافسة والتحرك الإعلامي الذي تمتلكه شركات الجوال وكانت النتيجة هي دخول قطاع الكبائن في خسائر مستمرة أَجبرتنا على إغلاق الكبائن وتسريح الموظفين السعوديين، حتى بدأَت هذه الخدمة تتلاشي تدريجياً ولم يتبق منها سوى ما يقارب 700 مركز موزعة في أنحاء المملكة، وانخفض عدد السعوديين العاملين فيها من 16 ألف مواطن إلى ما يقارب 3 آلاف مواطن فقط". وأكد سلطان القويعي، أحد الملاك السابقين في قطاع الاتصالات، ل"الوطن" أن السبب الرئيسي لانهيار هذا القطاع والوصول لهذه النتيجة التي وصفها ب "الفادحة"، هو عدم فرض هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حاجزاً سعرياً للمكالمات الدولية يمنع شركات الجوال المتنافسة من اختراقه. وقال القويعي: "بعد قيام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بتولي مهمة الإشراف على قطاع الاتصالات، انخفضت إيرادات الكبائن التي كانت تشكل رافداً قوياً للاقتصاد الوطني، فخلال السنوات الأولى لعمل الكبائن تجاوزت إيراداتها 3 مليارات ريال، وبدأت بالتراجع والانخفاض حتى وصلت إلى ما يقارب 400 مليون ريال في عام 2009م، وألحقت خسارة كبيرة بالمستثمرين، إضافة إلى فقدان أَكثر من 13 ألف مواطن لأعمالهم ومصادر رزقهم"، مضيفاً أن هذه المشكلة لم تلق اهتماماً، كون هذا القطاع لا يتمتع بوجود جهة ترعاه سوى هيئة الاتصالات المتسببة في المشكلة، ولا يوجد في الغرف التجارية بالمملكة لجنة معينة خاصة تعنى بهذا القطاع أَسوة بلجنة الاستقدام ولجنة المقاولين، مشيراً إلى تأخر محاسبة المتسببين في فقدان آلاف المواطنين لأعمالهم، مؤكداً تقديم عدد من ملاك الكبائن عدة اعتراضات للهيئة، وقيامهم بالاجتماع مع المسؤولين فيها خلال السنوات الماضية دون الخروج بأية نتائج، منوهاً إلى طلب الاجتماع مع محافظ الهيئة الذي لم يتجاوب، مؤكداً أنهم ما زالوا ينتظرون تحديد موعد للقائه قبل أن يفقد العاملون في الكبائن أَعمالهم، والمستثمرون ما تبقى من استثماراتهم، مؤكداً اللجوء في نهاية الأمر لرفع الشكوى إلى خادم الحرمين الشريفين. أما المستثمر السابق في قطاع الكبائن الهاتفية محمد الزهراني فقال" إن هذا القطاع كان يشكل حاضنة للشباب السعودي الباحث عن العمل، فالآلاف منهم كانوا يعملون به، ومنهم من كان طالباً في المدرسة ويستعين على مصاريف دراسته من خلال عمله بتلك الكبائن، والتي كانت عوناً لطلاب آخرين تمكنوا من إنهاء مرحلة الدراسة الجامعية التي أهلتهم للالتحاق بأعمال جديدة تناسب مؤهلاتهم الدراسية". "الوطن" حملت الموضوع للناطق الإعلامي في هيئة الاتصالات سلطان المالك الذي طلب مهلة للإجابة على الاستفسارات المقدمة إليه، إلا أنه لم يقدم أي رد حول ذلك، مؤكداً في حديثه ل "الوطن" أنه ليس من الضرورة أن يرد على كافة استفسارات الصحفيين.